ج٨ص٢٥٥
قيل إنه بتقدير الجارّ، لاطراد حذفه قبل أنّ، وأن لكان سديداً كما في الكشف.
قوله :( كأنه قيل صدقناه وصدقنا إنه تعالى جدّ ربنا ( قد اختلف في توجيه الفتح على القراءة
به، فقال أبو حاتم : هو معطوف على نائب فاعل أوحى، فهي كلها في محل رفع، وردّه المعربون بأن أكثره لا بصح بحسب المعنى عطفه على ما ذكر، كقوله : إنا لمسنا السماء، وانا كنا، وانا لا ندري، وأخوات له، فإنه لا يستقيم معناه، فلذا ذهب اكثر إلى أنه معطوف على محل به في آمنا به، كأنه قيل : صدقناه، وصدقنا إنه الخ، إلا أن مكيا ضعفه، وقال فيه بعد في المعنى لأنهم لم
يخبروا إنهم آمنوا بأنهم لما سمعوا الهدى آمنوا به، ولم يخبروا إنهم آمنوا بأنه كان رجال، إنما حكى الله عنهم أنهم قالوا ذلك مخبرين عن أنفسهم لأصحابهم، فالكسر أولى بذلك، ورد بأنه سبق الزمخشريّ إلى هذا الفراء والزجاج، وقد رأوا ما يرد عليه فدفعوه بأن الإيمان والتصديق يحسن في بعض ما قبح فيمضي في البواقي، ويحمل على المعنى على حد قوله :
وزججن الحواجب والعيونا
فيخرج على ما خرج عليه أمثاله، فيؤوّل صدقنا بما يشمل الجميع، أو يقدر مع كل ما يناسبه، وأوّله بصدقنا لأن آمن يتعدى بالحرف، فلو عطف على معموله لزم العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، فلذا عطفه على محله المنصوب، وقد مرّ له توجيه آخر كما عرفته، وفيه إشارة إلى دفع ما يقال : من أنّ شرط العطف على المحل أن يصح إظهاره في الفصيح فإنه يكفي إظهاره ولو مع مرادفه كما ذكر. قوله :( أي عظمتة ) فالمعنى عظمت عظمته، كقوله : جد جده، وفيه من المبالغة ما لا يخفى، وقوله : مستعار الخ، راجع إلى الوجوه كلها، والبخت معروف وهو غير عربي فصيح، وقوله : بيان لذلك أي لقوله تعالى جذ، فهو مفسر له، ولذا لم يعطف عليه، وقوله : صدق ربوبيته، قيل ظاهره أنه مضاف على قراءة الكسر، والذي ذكره المعرب أنه منون على هذه القراءة وكانه مراده، واكتفى بقوله : قبله جداً بالتمييز عن التصريح به ولا بعد فيه، وفسره بالصدق وهو في الأصل ضد الهزل. قوله :) كأئهم سمعوا الخ ( لأن تفريع الإيمان ونفي الشريك والصاحبة والولد عليه يدل على ما ذكر، وقوله : مردة الجن جمع ما رد ككاتب وكتبة، وعلى هذا فالمعنى سفهاؤنا والإضافة للجنس، وقوله : ذا شطط الخ، يعني أنه مصدر بمعنى البعد، والمراد به مجاوزة الحذ صفة لقول مقدر، فهو بتقدير مضاف، أو جعله عين الشطط مبالغة فيه، وقوله : ما أشط فيه أي أبعد وتجاوز الحد بيان للمبالغة فيه. قوله :( اعتذار الخ ) بظنهم متعلق بالاعتذار لأنه المعتذر به، وقوله : نصب على المصدر كقعدت القرفصاء، أو هو وصف لأنه يكون وصفا كما يكون مصدراً، ويوصف به القول كما يوصف به القائل، فيقال : رجل كاذب، وقول كاذب، و!و بمعنى مكذوب فيه لأنه
لا يتصوّر صدور الكذب منه، وإن اشتهر توصيفه به، فلا يقال : إن ما ذكره المصنف تطويل للمسافة، ولو جعله من الوصف بالمصدر مبالغة، على أن المبالغة في النفي لا في المنفي لأنه غير مقصود صح. قوله :( ومن قرأ أن لن تقوّل ) وهو الحسن وغيره، وأصله تتقوّل بتاءين فحذفت إحداهما، وقوله : جعله مصدراً من غير لفظه كقعدت جلوسا لا وصفاً للقول، وقوله : بقفر أي أرض خالية، وهم يعتقدون إنها مقرّ الجن ورؤساؤهم تحميهم منهم، وقوله : فزادوا الضمير المرفوع للإنس المستعيذين برؤساء الجن، على هذا بخلافه في الوجه الثاني، الآتي كما سيأتي. قوله :( أو فزاد الجن الإن! غياً ) فالفاعل الأوّل للتعقيب، وعلى الثاني قيل إنها للترتيب الإخباري، وذهب الفراء إلى ما بعد الفاء قد يتقدم إذا دلّ عليه الدليل، كقوله :﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٤ ] وجمهور النحاة على خلافه، وأن ما يخالف المشهور مؤوّل، وليس الترتيب الذكري مخصوصا بعطف المفصل على المجمل كما توهم، وقيل هنا مقدر على الثاني، أي فاتبعوهم فزادوهم الخ. قوله :( والرهق في الأصل غشيان الشيء ) كما في قوله :﴿ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴾ [ سورة عبس، الآية : ٤١ ] فإنّ المعنى يعرض لها ويغشاها، فحص بما يعرض من الكبر والضلال والعتو ونحوه، ولذا فسره الزمخشري بغشيان المحارم، فلا مخالفة فيه لما ذكر. قوله :( والآيتان ) يعني وأنه كان رجال، وإنهم ظنوا من كلام الجن، والخطاب لهم، وإذا كان استئنافاً فالخطاب للإنس، وكذا فيما بعده، والبعث في الآية بعث الرسل، وهو الظاهر، ويحتمل بعث الموتى، وقوله : جعلهما من الموحى به، لم يرتضه في الكشف، لأنّ قوله :