ج٨ص٣٨٩
العذاب وبه صرّج المصنف رحمه الله تعالى أيضاً لأن أعمال الكفرة محبطة قال في شرح المقاصد بالإجماع بخلاف أصحاب الكبائر إذا لم يتوبوا فإن الخلاف في إحباط عملهم بين أهل السنة، والمعتزلة معروف ( قلت ) يرد عليه أن الكفار مخاطبون بالتكاليف في المعاملات، والجنايات اتفاقا، واختلفوا في غيرها ولا شك أنه لا معنى للخطاب بها الأعقاب تاركها وثواب، فاعلها ثوابا وأقله التخفيف فكيف يدعي الإجماع على الإحباط بالكلية، وهو مخالف لما صرّح به في سبب نزول هذه الآية والذي يلوح للخاطر بعد استكشاف سرائر الدفاتر أنّ الكفار يعذبون على الكفر بحسب مراتبه فليس عذاب أبي طالب كعذاب أبي جهل ولا عذاب المعطلة كعذاب أهل الكتاب، كما تقتضيه الحكمة والعدل الإلهية ويعذب على المعاصي غير الكفر أيضاً وقد صرّح به الإمام في سورة الماعون مفصلاً، وقوله : يضاعف له العذاب أي عذاب الكفر والمعصية لقوله : زدناهم
عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون فما يقابل الكفر من العذاب لا يخفف لأنه لا يغفر أن يشرك به أي بكفره، وما في مقابلة غيره قد يخفف بالحسنات، ومعنى الإحباط المجمع عليه أنها لا تنجيهم من العذاب المخلد كأعمال غيرهم وهذا معنى كونه سراباً وهباء، وما في التبصرة وشرح المشارق وتفسير الثعلبي من أنّ أعمال الكفرة الحسنة التي لا يشترط فيها الإيمان كإنجاء الغريق، واطفاء الحريق واطعام أبناء السبيل يجزي عليها في الدنيا ولا تدخر لهم في الآخرة كالمؤمنين بالإجماع للتصريح به في الأحاديث فإن عمل في كفره حسنات، ثم أسلم اختلف فيه هل يثاب عليها في الآخرة أم لأبناء على أنّ اشتراط الإيمان في الاعتداد بالأعمال، وعدم إحباطها هل هو بمعنى وجود الإيمان عند العمل أو وجوده، ولو بعد لقوله في الحديث :" أسلمت على ما سلف لك من خير " غير مسلم ودعوى الإجماع فيه غير صحيحة لأن كون وقوع جزائهم في الدنيا دون الآخرة كالمؤمنين لأن ما في الدنيا كمؤنة السيد لعبده المطيع له، وتعهده بلوازمه بخلاف عبده العاصي له فلا يلزمهم ذلك بمقتضى الفضل، والكرم مذهب لبعضهم وذهب آخرون إلى الجزاء بالتخفيف وقال الكرماني : إنّ التخفيف واقع لكنه ليس بسبب عملهم بل لأمر آخر كشفاعة النبيّ ﷺ ورجائه وقال الزركشيّ من أنواع الشفاعة التخفيف عن أبي لهب لسروره بولادة النبيّ ﷺ واعتاقه لثويبة جاريته حين بشرته بذلك فاحفظه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، ولذا رخينا له عنان البيان وبه سقط ما أورد على المصنف رحمه الله تعالى من تناقض كلامه فتدبر. قوله :( وقيل الآية الخ ا لما كان الأوّل جواباً عما قيل : إنه كيف يرى كل أحد جزاء ذرات الأعمال خيرها وشرها، وأعمال الكفرة محبطة وسيئات المؤمنين منها ما يغفر، وهذا ينافي الكلية المذكورة دفعه أوّلاً بأن الإحباط بالنسبة للثواب والنعيم لا بالنسبة للتخفيف فالمراد برؤية جزاء السيئة ظهور استحقاقه له، وإن لم يقع وعلى هذا العموم غير مقصود لأن فيه قيدا مقدرا ترك لظهوره، والعلم به من آيات أخر فالتقدير ﴿ مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ إن لم يغفر أو الموصول الأول عبارة عن السعداء والثاني للأشقياء، فلا ينافي ما ذكر أيضاً ومرضه لأنه خلاف الظاهر لا لما قيل من أنه لا يناسب مذهب أهل الحق لأنه لم يصرّح بأن الإحباط لأصحاب الكبائر حتى ينافي المذهب الحق لجواز إرادة الكفار بقرينة السياق فتأمل. قوله :( لقوله أشتاتاً ) الظاهر أنه تعليل لكون المراد بمن الأولى السعداء، وبالثانية الأشقياء فان الأشتات فسر بما محصله فريق في الجنة وفريق في السعير فالظاهر أن ترجع كل فقرة لطائفة ليطابق المفصل المجمل ولأن إعادة من تقتضي التغاير الحقيقي، وقيل : إنه تعليل لقوله : تفصيل قبل ولو أريد برؤية الأعمال إنها تجسم لترى ظلمانية ونورانية، أو ترى كتبها أو ترى نفسها لأنه يجوز رؤية كل شيء عرضاً وغيره فحين يراه حسنا أو مغفوراً يزداد سروره
وحين يراه غير ذلك يزداد حزنه، وغمه وقد ورد في الحديث ما يؤيده فلا حاجة لما مر من الأجوبة ولا يخفى أنه خلاف الظاهر المتبادر من السياق. قوله :( من قرأ سورة إذا زلزلت ) الحديث هو وإن كان مروياً بسند ضعيف في تفسير الثعلبيّ فيقوّيه، ويعضده ما رواه ابن أبي شيبة مرفوعاً إذا زلزلت تعدل ربع القرآن فظهر أنه حديث صحيح ليس كغيره من أحاديث الفضائل، تمت الس!ورة بحمد الله والصلاة والسلام على أعظم الرسل العظام، وآله وصحبه الكرام.