ج٨ص٤٤
لا دلالة فيه على المماثلة، والتصوير المذكور قال في الانتصاف هذه النكتة التي ذكرها لا ينوّرها إلا التنبيه على أنّ في الكلام محذوفا لا بد من تقديره إذ لا معادلة بين الجنة، وبين الخالد في النار إلا على تقدير مثل ساكن الجنة فبه يقوم وزن الكلام وتتعادل كفتاه ومن هذا النمط قوله تعالى :﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ﴾ [ سورة التوبة، الآية : ٩ ] فإنه لا بد من تقدير محذوف مع الأوّل أو الثاني ليتعادل القسمان وبهذا الذي قدرته تنطبق أجزاء الكلام فيكون المقصود تنظير بعد التسوية بين المتمسك بالبينة، والراكب للهوى ببعد التسوية بين المنعم في الجنة، والمعذب في النار على الصفات المتقابلة المذكورة في الجهتين، وهو من وادي تنظير الشيء بنفسه باعتبار حالتين إحداهما أوضح في البيان من الأخرى فإن المتمسك بالبينة هو المنعم في الجنة الموصوفة، والمتبع للهوى هو المعذب في النار المنعوتة ولكن أنكر التسوية بينهما باعتبار الأعمال أوّلاً، وأوضح ذلك باعتبار التسوية بينهما باعتبار الجزاء ثانيا اهـ، وليس ما ذكر مخصوصا بالوجه الثالث، وأنه إشارة إلى ارتضائه كما توهم فإنه اقتصر فيه عليه لقربه، وللاتكال على علم غيره بالمقايسة نعم ما ذكر بيان لوجه التعرية لا لحذف ما حدّف فلا وجه لذكره فتدبر وقوله : تصويراً تعليل لقوله يجري مثله واستغناء تعليل للتعري فلا حاجة لجعل التقييد بالثاني بعد التقييد بالأوّل كما قيل فإن قلت ما وجه المبالغة فيه، والأبلغية التي ذكرها الشيخان هنا، وما وجه الانتظام فيه قلت هذا شيء أومؤوا إليه، ولم يصرّحوا به، وكأن وجهه أنه لما ترك فيه حرف الإنكار كان في إثباته إشارة إلى التهكم به، والى تخطئة من توهمه، وهو كالبيان، والبرهان على ما قبله حتى قيل لا يستوي ذو الحجة البينة والأهوية القبيحة البينة حتى تستوي الجنة، والنار فتأمل. قوله :( وهو ) أي الخبر وهو قوله كمن هو خالد على الوجه الأوّل، وهو كون مثل مبتدأ خبره مقدر أي فيما قصصشا الخ. قوله :( استئناف لشرح المثل ( أي هو استئناف بيانيئ في جواب سؤال تقديره ما مثلها أي صفتها، وهو على الوجه الأوّل أي تقدير الخبر في قوله مثل الجنة، والمبتدأ في قوله : كمن هو خالد فلا يرد عليه قول الطيبي إنه يلزم وقوع الاستئناف قبل مضي خبر الجملة السابقة الذي هو مورد السؤال اللهمّ إلا أن يقدر للجملة الأولى خبر وللثانية مبتدأ كما قاله أبو البقاء. قوله :( أو حال من العائد المحذوف ) وهو الضمير المقدر في الصلة العائد على التي بمعنى الجنة أي وعدها المتقون أو وعد المتقون إياها أي مستقزة فيها أنهار على أق
الظرف حال وأنهار فاعله لا مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية حال لعدم الواو فيها، ولا فعلية لأنه خلاف الظاهر، وقد جوّز فيه الحالية على نهج قوله ملة إبراهيم حنيفاً، وفيه نظر، وفي الكشاف تجويز كونه داخلا في حكم الصلة كالتكرير لها ألا ترى إلى صحة قولك التي فيها أنهار يريد كما قاله التفتازاني إنها صلة بعد صلة كالخبر والحال، والصفة وهو متضمن لتفصيلها، ولو حمل على البدلية كان أولى، ولذا ترك العاطف فتدبر. قوله :( أو خبر لمثل ( على أنّ الخبر، وإن كان جملة من المبتدأ كخبر اسم الإشارة فلا يحتاج إلى رابط، وقد تقدم مثله في سورة يس، وأنّ جريان مثله في الاسم الظاهر الذي ليس بقول لم يذكره النحاة، والمعنى مثل الجنة وصفتها مضمون هذا الكلام. قوله :) وآسن ) بوزن فاعل كآجن بمعنى متغير الطعم، والريح لطول مكث ونحوه، وماضيه أسن بالفتح من باب ضرب، ونصر وبالكسر من باب علم كما حكاه أهل اللغة، وقوله على معنى الحدوث خبر بعد خبر لقوله : آسن اسم فاعل لأنه يدل على الحدوث أو حال من الضمير المستتر في الخبر، ويقابله قراءة ابن كثير أسن بوزن حذر صفة مشبهة أو صيغة مبالغة فتدل على الثبوت. قوله :( لم يصر قارصاً ولا خازرا ) أي حامضاً، والقارص بالقاف، والراء والصاد المهملتين نوع من الحموضة كأنها تقرص لسان الشارب بقبضه، والخازر بخاء معجمة، وزاي وراء من الخزر، وهو نوع من الحموضة أشذ منه بلذعه. قوله :( لذيذة لا يكون فيها كراهة ) فهو صفة مشبهة كصيغته، ومذكرها لذ أو هو مصدر بتقدير مضاف أو بجعلها عين اللذة مبالغة على التجوّز فيه أو في الإسناد كما هو معروف في أمثاله، والغائلة بالغين المعجمة الآفة، والمكروه فغائلة الريح بمعنى رائحة مكروهة، وغائلة السكر إزالة العقل، وما يترتب عليه، والخمار