تفسير التستري، ص : ١٦٧
السورة التي يذكر فيها الممتحنة
[سورة الممتحنة (٦٠) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١)قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [١] قال : حذر اللّه تعالى المؤمنين من التولي بغير من تولاه اللّه ورسوله، فإن اللّه تعالى لم يرض منه أن يسكن إلى وليه، فكيف إلى عدوه ومن شغل قلبه بما لا يعنيه من أمر آخرته نال منه العدو، فكيف بغيره ومن طمع في الآخرة مع إرادة شيء من الدنيا حلالا كان مخدوعا، فكيف بالحرام ومن لم يكن فعله مخالفة أو مكابدة أو إيثارا فهو رياء. قيل : وما معناها؟ قال : المخالفة في ترك النهي ولترك ذرة مما نهى اللّه عنه أفضل من أن تعبد اللّه عمر الدنيا. والمكابدة في أداء الأوامر والإيثار أن يؤثر اللّه تعالى على ما دونه، ففي المخالفة فقدوا أنفسهم، وفي المكابدة فقدوا أهواءهم، فصارت شهواتهم في الطاعات، وبالإيثار نالوا محبته ورضاه.
[سورة الممتحنة (٦٠) : آية ٧]
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧)
قوله تعالى : وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [٧] قال : غفور لذنوبكم الماضية بالتوبة، رحيم يعصمكم فيما بقي لكم من عمركم من مثل هذه المعصية.
[سورة الممتحنة (٦٠) : آية ١٠]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠)
قوله تعالى : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [١٠] قال : لا توافقوا أهل البدع على شيء من أهوائهم وآرائهم، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الصف
[سورة الصف (٦١) : آية ٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢)
قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ [٢] قال : إن اللّه هدد عباده على دعواهم من غير تحقيق، والدعوى أن يلزمه اليوم حق من حقوق اللّه براءة وتوبة من كل ذنب ارتكبه، فيقول غدا أعمل، وما من أحد ادعى إلا وقد ضيع حق اللّه من وجهين، ظاهر وباطن، ولا يكون المدعي خائفا، ومن لم يكن خائفا لم يكن آمنا، ومن لم يكن آمنا لم يكن يطلع على الجزاء. وقال : طلاب الآخرة كثيرة، والذي يتولى اللّه كفايته عبدان، عبد ساذج غير أنه صادق في طلبه، متوكل على اللّه، فيصدقه فيكفيه مولاه، ويتولى جميع أموره وعبد عالم باللّه وبأيامه وأمره ونهيه، كفاه اللّه كل شيء من هذه الدنيا، فإذا صار إلى الآخرة ما سوى هذين لا يعبأ اللّه بهم، لأنهم يدعون ما ليس لهم. وقال ابن عيينة في هذه الآية : لم تقولون ما ليس الأمر فيه لكم، لا تدرون تفعلون ذلك أم لا تفعلون.
[سورة الصف (٦١) : آية ٨]
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨)
قوله تعالى : يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ [٨] يعني جحدوا ما ظهر لهم من حجة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بألسنتهم، وأعرضوا عنه بنفوسهم، فقيض اللّه لقبوله أنفسا أوجدها على حكم السعادة، وقلوبا زينها بأنوار معرفته، وأسرار نورها بالتصديق، فبذلوا له المهج والأموال كالصدّيق والفاروق وأجلة الصحابة رضي اللّه عنهم.
[سورة الصف (٦١) : آية ١٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤)
قوله تعالى : كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ [١٤] قال : يعني بالقبول منه، والاستماع إليه بطاعته فيما يأمركم به وينهاكم عنه، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.