تفسير التستري، ص : ١٧
الظاهر والباطن، وصدقهم فيه بنور بصيرة اليقين، وهو سكون القلب إلى اللّه تعالى في كل حال وعلى كل حال، فليس لهؤلاء همة في الألحان ولا في التطريب بطيبة الصوت تكلفا، إنما همهم التفهّم وطلب المزيد من اللّه تعالى فهما لأمره ونهيه. والمراد من أحكام فرضه وسنة نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم، فهم بعلمه عاملون، وباللّه مستعينون، وعلى آدابه صابرون كما أمرهم بقوله : اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا [الأعراف : ١٢٨] أي استعينوا باللّه على أمر اللّه بالسنة فرضا، أي سنة اللّه، واصبروا على آدابه باطنا وظاهرا، كي يكسبكم فهما وفطنة. والمراد منه تفضلا لا يبالون بطيب حنجرة الأصوات، فهم الذين أعطاهم اللّه تعالى فهم القرآن، هم خاصة اللّه وأولياؤه، لا هم للدنيا، ولا الدنيا منهم في شيء، ولا فيما في الجنة رغبوا، أخذ منهم الدنيا فلم يبالوا، وهبها لهم فردوها كما ردها نبيهم صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا عرضت عليه، طرحوا أنفسهم بين يديه رضى وسكونا إليه وقالوا : لا بد لنا منك أنت أنت، لا نريد سواك، فهم المتفردون باللّه كما قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«سيروا، سبق المفردون إلى رحمة اللّه، قالوا : ومن المفردون يا رسول اللّه؟ قال : الذين اهتروا بالذكر للّه تعالى، يأتون يوم القيامة خفافا قد حط الذكر عنهم أثقالهم» «١». قال سهل : هم المشايخ المهترون «٢» في الذكر بالذكر للّه تعالى، مجالسون كما قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : يقول اللّه تعالى :«أنا جليس من ذكرني حيثما التمسني عبدي وجدني» «٣»، وقال تعالى : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة : ١١٥].

باب صفات طلاب فهم القرآن


قال اللّه عزّ وجلّ : وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء : ١٩٢- ١٩٤] قال سهل : فعلى مقدار النور الذي قسمه اللّه تعالى له يجد هداية قلبه وبصيرته، فظهر على صفاته أنوار نوره، قال اللّه تعالى : وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ [النور : ٤٠] فالقرآن حبل اللّه بين اللّه وبين عباده، من تمسك به نجا، لأن اللّه تعالى جعل القرآن نورا وقال : وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا [الشورى : ٥٢] ومعنى جعلنا : بيّنّا ما فيه من محكم ومتشابه، وحلال وحرام، وأمر ونهي، كما قال اللّه عزّ وجلّ :
________
(١) نوادر الأصول ٣/ ٦٤.
(٢) جاء في المصدر السابق :(المهتر إذا نطق يشبه كلامه كلام من لم يستعمله عقله، لأن العقل يخرج الكلام على اللسان بتدبير وتؤدة وتأن، وهذا المهتر إنّما ينطق به، فكأنه الماء على لسانه يجري، حتى يشبه الهذيان في بعض أحواله، وهو في الباطن مع اللّه تعالى من أصفى الناطقين وأصدقهم. والمهتر في اللغة : الشيخ الكبير الذي قد أفند عقله...).
(٣) شعب الإيمان ١/ ٤٥١.


الصفحة التالية
Icon