تفسير التستري، ص : ١٧٦
وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ [٢٥] أي بما فيه من الأعمال الخبيثة والكفر، فيتمنى أن يكون غير مبعوث،
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠)
فيقول : يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ [٢٧] يعني :
يا ليت الموتة الأولى كانت عليّ فلم أبعث. ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ [٢٨] كثرة مالي، حيث لم أؤد منه حق اللّه، ولم أصل به القرابة. هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ [٢٩] يعني حجتي وعذري، فيقول اللّه تعالى : خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [٣٠] فإذا قال ذلك ابتدره مائة ألف ملك، لو أن ملكا منهم أخذ الدنيا بما فيها من جبالها وبحارها بقبضته لقوي عليه فتغل يداه إلى عنقه ثم يدخل في الجحيم.
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ٣٢]
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢)
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً [٣٢] كل ذراع سبعون باعا، كل باع أبعد مما بين الكوفة ومكة، لو وضعت حلقة منها على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص، كذا حكي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما. وحكي أن عمر رضي اللّه عنه قال لكعب : خوفنا يا أبا إسحاق. قال : يا أمير المؤمنين، لو أنك عملت حتى تعود كالعود المقضوب من العبادة، وكان لك عمل سبعين نبيا لظننت أن لا تنجو من أمر ربك وحملة العرش، وجيء باللوح المحفوظ الذي قد حفظ فيه الأعمال وبرزت الجحيم وأزلفت الجنة، وقام الناس لرب العالمين، وزفرت جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، حتى يقول إبراهيم : نفسي نفسي، فيدعى على رؤوس الخلائق بالرجل العادل والرجل الجائر، فإذا جيء بالرجل العادل رفع إليه كتابه بيمينه، فلا سرور ولا فرح ولا غبطة نزل يومئذ بعبد أفضل مما نزل به، فيقول على رؤوس الخلائق ما حكاه اللّه تعالى، ثم يؤتى بالرجل الجائر، فيدفع إليه كتابه بشماله، فلا حزن ولا ذل ولا حسرة أشد مما نزل بالرجل، فيقول على رؤوس الخلائق ما حكى اللّه تعالى، فيؤخذ ويسحب على وجهه إلى النار، فينتثر لحمه وعظامه ومخه. فقال عمر رضي اللّه عنه : حسبي حسبي «١». قال سهل : إن السلاسل والأغلال ليست للاعتقال، وإنما هي لتجذبهم سفلا بعد أبدا ما داموا فيها.
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)
قوله عزّ وجلّ : وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ [٤٤] قال : يعني لو تكلم بما لم تأذن له فيه. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ [٤٥] يعني أمرنا بأخذ يده كما تفعل الملوك. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ [٤٦] وهو نياط القلب، وهو العرق الذي يتعلق القلب به، إذا انقطع مات صاحبه، فنقطع ذلك السبب بمخالفته إيانا.
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ٤٨]
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
قوله تعالى : وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [٤٨] قال : يعني القرآن رحمة للمطيعين.
[سورة الحاقة (٦٩) : آية ٥٠]
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)
قوله تعالى : وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ [٥٠] قال : يعني ما يرون من ثواب أهل التوحيد ومنازلهم وكريم مقاماتهم، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
________
(١) المستدرك على الصحيحين ٤/ ٦٣٤ ومجمع الزوائد ١٠/ ٣٤٢ والمعجم الكبير ٩/ ٣٦٠ والحلية ٥/ ٣٧١، ٣٩٠.