تفسير التستري، ص : ١٩٤
قال : فقعد يبكي من الفرح إلى الصباح وقال : إلهي مثلي يترك بلا عشاء بلا سراج، بأي يد كانت مني يا مولاي «١».
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)
قوله تعالى : يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [٢٧] قال : هذا خطاب لنفس الروح الذي به حياة نفس الطبع والمطمئنة المصدقة بثواب اللّه وعقابه.
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [٢٨] بطريق الآخرة راضِيَةً [٢٨] عن اللّه باللّه مَرْضِيَّةً [٢٨] عنها لسكونها إلى اللّه عزّ وجلّ.
فَادْخُلِي فِي عِبادِي [٢٩] أي في جملة أوليائي الذين هم عبادي حقا وَادْخُلِي جَنَّتِي [٣٠] قال سهل : الجنة جنتان : أحدهما الجنة نفسها، والأخرى حياة بحياة وبقاء ببقاء.
كما روي في الخبر : يقول الملائكة للمنفردين يوم القيامة : امضوا إلى منازلكم في الجنة، فيقولون : ما الجنة عندنا، وإنما انفردنا لمعنى منه إلينا، لا نريد سواه حياة طيبة.
واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها البلد
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤)
قوله تعالى : لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [١] قال : يعني مكة. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [٢] يعني يوم فتح مكة جعلناها لك حلالا تقتل فيها من شئت من الكفار كما قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار» «٢»، فأقسم اللّه تعالى بمكة لحلول نبيه فيها إعزازا له وإذلالا لأعدائه.
وَوالِدٍ وَما وَلَدَ [٣] قال : الوالد : آدم، وما ولد : محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ [٤] أي في مشقة وشدة. قال : الكبد الانتصاب، أي لقد خلقناه في بطن أنه منتصبا. كما قال مجاهد : إن الولد يكون في بطن أمه منتصبا كانتصاب الأم، وملك موكل به، إذا أضجعت الأم رفع رأسه، ولو لا ذلك لغرق في الدم.
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١٠ الى ١١]
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)
قوله تعالى : وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [١٠] قال : بيّنّا له طريق الخير ليتبعه، وطريق الشر ليجتنبه، كما قال : إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان : ٣]. وقيل : يعني التدبير.
قوله تعالى : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [١١] قال : أي فهلا جاوز الصراط والعقبة دونها، وفي الباطن عقبتان، إحداهما : الذنوب التي اجترحها، يعني بين يديه كالجبل يجاوزها بعتق رقبة، أو إطعام في يوم ذي مجاعة وشدة مسكينا قد لزق بالتراب من الجهد والفاقة، ويتيما بينه
________
(١) شعب الإيمان ٧/ ٢٣٠.
(٢) صحيح البخاري : كتاب الجنائز، رقم ١٢٨٤.


الصفحة التالية
Icon