تفسير التستري، ص : ٢٧
داود عليه السلام : يا داود، انظر لا أفوتك أنا، فيفوتك كل شيء، فإني خلقت محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم لأجلي، وخلقت آدم عليه السلام لأجله، وخلقت عبادي المؤمنين لعبادتي، وخلقت الأشياء لأجل ابن آدم، فإذا اشتغل بما خلقته من أجله حجبته عما خلقته من أجلي «١».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)
قوله تعالى :
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً [٢٢] قال سهل : أي أضدادا. فأكبر الأضداد النفس الأمّارة بالسوء المتطلعة إلى حظوظها ومناها بغير هدى من اللّه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥]
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)
وسئل عن قوله : وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ [٢٥] فقال : ليس في الجنة شيء من فرش ولا آنية ولا لباس ولا طيب ولا طير، ولا شيء من النبات، ولا شيء من الفواكه كلها، فما في الدنيا يشبه ذلك إلّا اتفاق الأسماء فقط، وذلك أن رمان الجنة لا يشبه رمان الدنيا قط إلّا باتفاق الأسماء فقط، وكذلك التمر والعناب وأشباه ذلك، وإنما أراد بقوله :«متشابها» أي في اللون، مختلفا في الطعم، وذلك أن الملائكة تأتي الأولياء في الجنة بالتفاح في الغداء، ثم يأتون به في العشاء، فيقول الأولياء : هذا ذلك. فيقال لهم : ذوقوه. فإذا ذاقوه أصابوا له غير طعم الأول، فلا يجوز أن تدفع قدرة اللّه تعالى أن يؤدي طعم التفاح طعم الرمان واللوز والسفرجل «٢» قال سهل : وإني لأعرف رجلا من الأولياء رأى في الدنيا رمانة كبيرة كأكبر ما كان بين يدي رجل على شاطئ البحر، فقال له الولي : ما هذا بين يديك؟ فقال : رمانة رأيتها في الجنة فاشتهيتها، فأتاني اللّه بها، فلما وضعتها بين يدي ندمت على استعجالي ذلك في الدنيا. قال له ذلك الرجل :
أ فآكل منها؟ قال له الرجل : إن قدرت أن تأكل منها فكل، فضرب بيده إليها فأكل أكثرها، فلما رآه يأكل منها أعظمه ذلك، فقال : أبشر بالجنة، فإني لم أعرف منزلتك قبل أكلك منها، وذلك أنه لا يأكل من طعام الجنة في الدنيا إلّا من هو من أهل الجنة. قال أبو بكر : فقلت لسهل : هل أخبرك الآكل من تلك الرمانة ما كان طعمها؟ قال : نعم، فيها طعم يجمع طعوم الفواكه، ويزيد على ذلك في طعمه لين وبرد ليس هو في شيء من طعوم الدنيا. قال أبو بكر : فلم أشك ولا من سمع هذه الحكاية من سهل إلّا أنه هو صاحب الرمانة والآكل منها.
[سورة البقرة (٢) : آية ٣٠]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)
وسئل عن قوله : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [٣٠] قال : إن اللّه تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السلام قال للملائكة : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وخلق آدم عليه السلام من طين العزة من نور محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وأعلمه أن نفسه الأمّارة بالسوء أعدى عدو له «٣»، وأنه خلقها
________
(١) قوت القلوب ١/ ٤٣٠، ٢/ ١٣.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ١/ ١٠٢.
(٣) يقصد قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :(أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك)، انظر كشف الخفاء ١/ ١٤٨، ١٦٠، ٢/ ٢٢٢، وسيذكر التستري هذا الحديث في تفسير سورة الأحقاف.