تفسير التستري، ص : ٣٦
قوله : وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ [٢٠٤] أي شديد الخصومة بالباطل. وقد روت عائشة رضي اللّه عنها عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«أبغض الرجال إلى اللّه تعالى الألدّ الخصم» «١». قوله :
وَ زُلْزِلُوا [٢١٤] أي أرادوا به وخوفوا به وحذروا مكر اللّه عزّ وجلّ. وسئل عن قوله : حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [٢١٤] أكان قولهم استبطاء للنصر؟ قال سهل : لا، ولكن لما أيسوا من تدبيرهم قالوا : مَتى نَصْرُ اللَّهِ [٢١٤] فلما علم اللّه تعالى من تبريهم من حولهم وقوتهم وتدبيرهم لأنفسهم وإظهارهم الافتقار إليه، وأن لا حيلة لهم دونه أجابهم بقوله : أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [٢١٤] قال سهل : البلاء والعافية من اللّه عزّ وجلّ، والأمر والنهي منه، والعصمة والتوفيق منه، والثواب والعقاب منه، والأعمال منسوبة إلى بني آدم، فمن عمل خيرا وجب عليه الشكر ليستوجب به المزيد، ومن عمل شرا وجب عليه الاستغفار ليستوجب به الغفران. والبلوى من اللّه على وجهين «٢» : بلوى رحمة، وبلوى عقوبة، فبلوى الرحمة : يبعث صاحبه على إظهار فقره [و فاقته ] «٣» إلى اللّه عزّ وجلّ وترك التدبير، وبلوى العقوبة : يبعث «٤» صاحبه على اختيار منه وتدبيره. فسئل سهل : الصبر على العافية أشد أم على البلاء؟ فقال : طلب السلامة في الأمن أشد من طلب السلامة في الخوف.
وقال في قوله : وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن : ١١] قال : يؤمن باللّه أن بلواه من اللّه يهد قلبه لانتظار الفرج منه. قوله : وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى [المائدة : ٢] أي على أداء الفرائض، لأن البر الإيمان، وأداء الفرائض فرعه، والتقوى السنة، فلا يتم فرض إلّا بالسنة، ونهى عن التعاون على الإثم وهو الكفر والنفاق، والعدوان وهو البدعة والخصام، وهما لعبان فنهوا عن اللعب، كما أمروا بالبر وهو الفرض والسنة، وأخذ النفس بالصبر على ذلك كله خالصا للّه فيه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٦]
أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦)
قوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ [٢٤٦] من هؤلاء الملأ؟ قال سهل :
أراد بذلك الرؤساء، ألا ترون في قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد سمع رجلا بعد وقعة بدر وهو يقول : إنما قتلنا يوم بدر عجائز صلعا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«أولئك الملأ من قريش» «٥» يعني الأشراف والسادات.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٥]
اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)
وسئل عن قوله : اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [٢٥٥] فقال : هذه
________
(١) صحيح البخاري : باب تفسير سورة البقرة، ٤٢٥١.
(٢) حلية الأولياء ١٠/ ١٩٦، ٢١١.
(٣) ما بين القوسين إضافة من الحلية ١٠/ ١٩٦. [.....]
(٤) في الحلية (يترك) مكان (يبعث).
(٥) نوادر الأصول ١/ ٣٣٣.