تفسير التستري، ص : ٤١
قوله :«اخسؤوا» تباعدوا عني، يقال للكلب اخسأ على كمال البعد والطرد، وبهذا عاقبهم في آخر عقوباته إياهم، كقوله : اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون : ١٠٨]. قوله تعالى : حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ [٢٣٨] أي داوموا على إقامتها. وأما قوله : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [النور : ٥٦] فعلى وجهين أحدهما الإقرار بها من غير تصديق، كما قال في براءة :
فَإِنْ تابُوا [التوبة : ٥] أي من الشرك، وَأَقامُوا الصَّلاةَ [التوبة : ٥] يعني وأقروا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة : ٥]، وكقوله : فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة : ١١] ومواليكم، ونظيرها في السجدة «١». والوجه الثاني : الإقامة، كما قال في المجادلة : فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [المجادلة : ١٣]، ونظيرها في المزمل «٢».
وقال في المائدة «٣» : الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [المائدة : ٥٥] أي يتمونها. وسئل عن قوله :
وَالصَّلاةِ الْوُسْطى [٢٣٨] ما معنى ذكرها مفردة؟ قال : إنما أفردها لاختصاص من الصلوات وإن كانت داخلة في جملتها، كما انفرد جبريل وغيره بالذكر لاختصاصهم من جملة الملائكة.
قال : وفيها وجه آخر، وهو أن أوقات سائر الصلوات مشهورة عند العالم والجاهل، فعلامتها واضحة، ووقت العصر أخفى، فحثّ على مراعاتها في وقتها بما خصها من الذكر. قوله :
وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [٢٣٨] أي قاموا للّه في الصلاة مطيعين. فكم من مصلّ غير مطيع كالمنافق ونحوه. وسئل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أي الصلاة أفضل؟ فقال :«طول القنوت أي طول القيام» «٤»، وقال زيد بن أرقم «٥» رضي اللّه عنه : القنوت السكوت، لأنا كنا نتكلم في الصلاة، فأنزل اللّه تعالى :
وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [٢٣٨] فأمسكنا عن الكلام «٦». وكان محمد بن سوار يقول : القنوت الوتر، سمي قنوتا لقيام الرجل فيه بالدعاء من غير قراءته القرآن، بل هو التعظيم بالدعاء.
________
(١) ليس في سورة السجدة نظير ما ورد في سورة التوبة.
(٢) المزمل، الآية ٢٠، وأيضا في سورة الحج، الآية ٧٨.
(٣) في الأصل :(و قال في البقرة) والصواب ما أثبته وقد تكررت الآية في الأنفال : ٣ والنمل : ٣ ولقمان : ٤، وأما ما ورد في سورة البقرة : ٣ فهو قوله تعالى : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ.
(٤) صحيح مسلم : كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم ٧٥٦ وابن ماجة : كتاب إقامة الصلاة ١/ ٤٥٦ والترمذي : كتاب الصلاة ١/ ٨٧ وأحمد ٣/ ٣٠٢، ٣٩١، ٤١٢ والنسائي : كتاب الزكاة ١/ ٣٤٩. [.....]
(٥) زيد بن أرقم الخزرجي الأنصاري (...- ٦٨ ه) : صحابي. غزا مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سبع عشرة غزوة، وشهد صفين مع علي. ومات بالكوفة. (الأعلام ٣/ ٥٦).
(٦) صحيح البخاري : كتاب العمل بالصلاة ١١٤٢ وصحيح مسلم : المساجد ٥٣٩، وانظر تأويل مشكل القرآن ٤٥٢ وعمدة الحفاظ ٣/ ٣٤٠ (قنت).