تفسير التستري، ص : ٥٥
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٥ الى ٨٦]
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦)
قوله تعالى : وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ، كِفْلٌ مِنْها [٨٥] يعني الحظ منها، لأنها تمنع رضا اللّه تعالى. قوله : وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها [٨٦] يعني زيادة على سلامه الصادر بالنصح للّه تعالى. وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«السلام اسم من أسماء اللّه تعالى أظهره في أرضه، فأفشوه بينكم» «١».
[سورة النساء (٤) : آية ٨٨]
فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨)
قوله تعالى : وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا [٨٨] يعني أعادهم إلى ما جبلت عليه أنفسهم من الجهل به. وقال عليه الصلاة والسلام :«لا تستنجوا بعظم ولا روث فإنه ركس» «٢»، يعني رجع من حاله الأول إلى أن صار طعام الجن. أَتُرِيدُونَ [٨٨] معشر المخلصين أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [٨٨] قال سهل : الإضلال من اللّه ترك العصمة عما نهى عنه، وترك المعونة على ما أمر به.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٠]
إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠)
قوله تعالى : أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [٩٠] أي ضاقت قلوبهم عن قتالكم وقتال قومهم، لحبهم السلامة وركونهم إلى العافية، وهم بنو مدرج.
[سورة النساء (٤) : آية ١٠٥]
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥)
قوله : لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [١٠٥] يعني بما علمك اللّه تعالى من الحكمة في القرآن وشرائع الإسلام.
[سورة النساء (٤) : آية ١١٧]
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧)
قوله تعالى : إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً [١١٧] يعني أصواتا وهو الحجارة والحديد.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢١]
أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١)
قوله عزّ وجلّ : وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً [١٢١] يعني معدلا.
[سورة النساء (٤) : آية ١٣٩]
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩)
قوله :
أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ [١٣٩] يعني المنافقين يبتغون عند اليهود المنعة والقوة، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام :«ما نزل من السماء شيء أعز من اليقين» «٣» أي أمنع وأعظم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤١ الى ١٤٢]
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١) إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢)
قوله : أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ [١٤١] يعني نغلب ونستولي عليكم. قوله : إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
[١٤٢] أي يسرع لهم الجزاء على إظهار الإيمان وإضمار الكفر بترك العصمة والتوفيق، وتمديد الأموال والبنين، والإطراق على عاجل الدنيا، وخاتمتهم النار، فهذا هو المراد من قوله : يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
[١٤٢]. قال سهل في قوله تعالى : بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات : ١٢] أراد به سرعة مجازاتهم على الإقامة والنفي، فسمى قوله باسم فعلهم. وقد أخبر عنهم بالعجب في مواضع، قال في قوله في قل أوحي : إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً [الجن : ١] وفي ق : بَلْ عَجِبُوا [ق : ٢] وفي ص : إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص : ٥] وقد ذكر في الصافات : بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات : ١٢] أي رأيت جزاءهم عظيما، فسمى تعظيم الثواب عجبا، لأن المتعجب إنما يتعجب من أمر بلغ نهايته، فهذا هو المراد من قوله : بَلْ عَجِبْتَ [الصافات : ١٢].
________
(١) في صحيح البخاري : كتاب صفة الصلاة، رقم ٧٩٧ والمعجم الكبير ١٠/ ٨٢ (١٠٣٩١) والمعجم الصغير ١/ ١٥٣ (٢٠٣) والمعجم الأوسط ٣/ ٢٣١ (٣٠٠٨) :(إن اللّه هو السلام).
(٢) صحيح البخاري : كتاب الوضوء، رقم ١٥٤- ١٥٥.
(٣) نوادر الأصول ٣/ ١٦٩.


الصفحة التالية
Icon