تفسير التستري، ص : ٥٩
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧)
قوله : وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [٦٦] يعني لو علموا بما أنزل اللّه على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فلو عملت به لبلغت هذه المنزلة كما بلغها من عمل بها، ولو أقبلت على الرازق لكفيت مؤنة الرزق. ثم قال : ولست أكبر من عمرو بن الليث «١» كان يمر وبين يديه ألف راكب وألف غلام، في يد كل غلام عمود من ذهب وفضة، فآل أمره إلى أن حبس في بيت حين حمل إلى الخليفة، ومنع عنه الطعام والشراب، وفتح الباب فوجدوه ميتا، وفمه مملوء من الجص والآجر من شدة جوعه. ثم قال : إني نصحت لكم، وإني لكم من الناصحين. وقد حكى مالك بن دينار «٢» عن حماد بن سلمة «٣» وحماد بن يزيد «٤» أنهما دخلا على رابعة «٥» فذكرا شيئا من أمر الدنيا فقالت رابعة : لقد أكثرتما ذكر الدنيا، ما أظنكما إلّا جياعا، فإن كنتما جياعا فاعمدا إلى القدر وذلك الدقيق، فاصنعا لأنفسكما ما وسوس، قال بعض من كان معها : لو كان لنا ثوم. فقال حماد : فرأيت رابعة حركت شفتيها، فما سكتت حتى جاء طير في منقاره رأس ثوم، فرمى به ومضى «٦».
قوله تعالى : وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [٦٧] قيل : ما هذه العصمة؟ فقال : إن اللّه تعالى وعده أن لا يبتليه كما ابتلى سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إبراهيم بالنار، وإسماعيل بالذبح، وغيرهما، إذ كان لا يشعر بما يفعل به، كما قال : وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف : ٩] فأعلمه اللّه تعالى أنه يعصمه من الناس.
________
(١) عمرو بن الليث، الصفار (...- ٢٨٩ ه) : ثاني أمراء الدولة الصفارية، وأحد الشجعان الدهاة. ولي بعد وفاة أخيه مؤسس الدولة يعقوب سنة ٢٦٥ ه، وأقره المعتمد العباسي على أعمال أخيه كلها، وهي :
خراسان وأصبهان وسجستان والسند وكرمان، وعزله المعتمد سنة ٢٧١، وقامت حروب بينهما، ثم ولاه المعتمد سنة ٢٧٦ شرطة بغداد. (الأعلام ٥/ ٨٤).
(٢) مالك بن دينار البصري (...- ١٣١ ه) : من رواة الحديث. كان ورعا، يأكل من كسبه، ويكتب المصاحف بالأجرة. توفي في البصرة. (الحلية ٢/ ٣٥٧). [.....]
(٣) حماد بن سلمة بن دينار البصري الرّبعي بالولاء (...- ١٦٧ ه) : مفتي البصرة، وأحد رجال الحديث، ومن النحاة. كان حافظا ثقة مأمونا. (الحلية ٦/ ٢٤٩).
(٤) حماد بن يزيد بن درهم الأزدي الجهضمي (٩٨- ١٧٩ ه) : شيخ العراق في عصره، ومن حفاظ الحديث المجودين، حفظ أربعة آلاف حديث. (الحلية ٦/ ٢٥٧).
(٥) رابعة بنت إسماعيل العدوية (...- ١٣٥ ه) : صالحة، مشهورة، من أهل البصرة، ومولدها بها. لها أخبار في العبادة والنسك، ولها شعر. (الأعلام ٣/ ١٠).
(٦) في كرامات الأولياء ص ٢٢٦ (أن رابعة كانت تطبخ قدرا، فاشتهت بصلا، فجاء طير في منقاره بصلة، فألقاها إليها).


الصفحة التالية
Icon