تفسير التستري، ص : ٦٢
قعدوا عن ذلك. فقال : إنهم لم يقعدوا عنه إلّا عند عدم الاحتياج إليه، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد كان عندنا رجل بالبصرة له منزلة رفيعة، لزمه فرض من ذلك في وقت من الأوقات، فبادر نحوه، فلقيه رجل آخر وقال له : إن اللّه تعالى أمرني بما عزمت عليه، وكفاك إياه، فرجع إلى منزله، وحمد اللّه تعالى على حسن الكفاية، واللّه أعلم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧)
قوله : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي [٧٦] فقال : كان هذا القول منه تعريضا لقومه عند حيرة قلوبهم، لأنه كان أوتي رشده من قبل، كما قال : وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [٧٥]. قيل : ما معنى قوله : لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي [٧٧] قال : يعني لئن لم يدم لي الهداية، لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [٧٧] ثم قال : كانت ملة إبراهيم عليه السلام السخاوة، وحالة التبري من كل شيء سوى اللّه تعالى، ألا تراه حين قال جبريل عليه السلام :
هل لك حاجة؟ قال : أما إليك فلا. لم يعتمد على أحد سواه في كل حال.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٨]
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨)
وقوله تعالى : فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ [٩٨] أي مستقر في أرحام النساء و«مستودع» يعني النطفة في صلب آدم عليه السلام.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٠]
وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠)
وقوله : وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ [١٢٠] يعني اتركوا المعاصي بالجوارح، ومحبتها بالقلب، وبالإصرار عليها.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٥]
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥)
وقوله : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [١٢٥]. قال سهل : إن اللّه ميز بين المريد والمراد في هذه الآية، وإن كان الجميع من عنده، وإنما أراد أن يبين موضع الخصوص من العموم، فخص المراد في هذه السورة وغيرها، وذكر المريد وهو موضع العموم في هذه السورة أيضا، وهو قوله تعالى : وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [٥٢] فهو قصد العبد في حركاته وسكونه إليه، كما قال :
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ [الشورى : ٣٨] فكل من وجد حال المريد والمراد فهو من فضل اللّه عليه، ألا ترى أنه جمع بينهما في قوله تعالى : وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل : ٥٣] قيل له : فما الفصل بينهما؟ فقال : المريد الذي يتكلف القصد إليه والعبادة للّه تعالى ويطلب الطريق إليه، فهو في الطلب بعد، والمراد قيام اللّه تعالى له بها، والرجل يجد في نفسه ما يدل على المريد، والمراد يدخل في الطاعات وقتا يجد ما يحمله على الأعمال من غير تكلف وجهد نظرا من اللّه تعالى له، ثم يخرج بعد ذلك إلى علو المقامات ورفيع الدرجات.
قيل له : ما معنى المقامات؟ فقال : هي موجودة في كتاب اللّه تعالى في قصة الملائكة : وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [الصافات : ١٦٤] وقال : وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [١٣٢]، وقال في صفة المريد : شغل المريد إقامة الفرض والاستغفار من الذنب وطلب السلامة من الخلق. وقال سهل : إن اللّه عزّ وجلّ ينظر في القلوب والقلوب عنده، فما كان أشدها تواضعا له خصه بما شاء