تفسير التستري، ص : ٩٥
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٥]
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥)
قوله : رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ [٢٥] أي بما في قلوبكم، لأن القلب يجمع العقل والنفس والهوى.
قوله : إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً [٢٥] قال ابن المسيب :
الأواب الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ويموت على توبته «١». وقال الحسن : الأواب التائب الذي لا يكون معه وقتان، إنما هو مهيئ للتوبة كل لمحة ولحظة. وحكي عن ضمرة بن حبيب «٢» عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه» «٣» يعني فليعتبر وقته ولا يؤخر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٦]
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)
قوله تعالى : وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [٣٦] أي لا تبغ ما ليس لك به علم كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا» «٤»، يعني آباء العرب.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٧]
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧)
قوله تعالى : وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ [٥٧] قال : رحمته جنته في الظاهر وفي الباطن حقيقة المعروف. ثم قال : إن الخوف والرجاء زمان للإنسان فإذا استوى قامت له أحواله، وإذا رجح أحدهما بطل الآخر «٥»، ألا ترى أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا» «٦».
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٧ الى ٦٩]
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩)
قوله تعالى : وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [٦٧] أي ما تسألون كشفه إلا منه، وتتبرؤون من حولكم وقوتكم، وتعترفون بحوله وقوته، وهذه الآية رد على أهل القدر الذين يدّعون الاستطاعة لأنفسهم دون اللّه تعالى. أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً [٦٨]، وقال : فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ [٦٩] فإن كانت لهم استطاعة فليدفعوا عن أنفسهم العذاب.
________
(١) لسان العرب (أوب).
(٢) ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي، أبو عتبة الحمصي (...- ١٣٠ ه) : تابعي، شامي، كان ثقة، وكان مؤذن المسجد الجامع بدمشق. (تهذيب التهذيب ٤/ ٤٠٢).
(٣) مسند الشهاب ١/ ٢٦٨.
(٤) مسند أحمد ٥/ ٢١١- ٢١٢ والمعجم الكبير ١/ ٢٣٥، ٢/ ٢٨٦ وسنن ابن ماجة ٢/ ٨٧١ رقم ٢٦١٢. [.....]
(٥) تفسير القرطبي ١٠/ ٢٨٠.
(٦) مصنف ابن أبي شيبة ٧/ ١٧٨ وشعب الإيمان ٢/ ١٢.