تفسير التستري، ص : ٩٨
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٠]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠)
قوله تعالى : إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [٣٠] قال : حسن العمل الاستقامة عليه بالسنة، وإنما مثل السنة في الدنيا مثل الجنة في الآخرة، ومن دخل الجنة سلّم، كذلك من لزم السنة في الدنيا سلم من الآفات. وقال مالك بن أنس رضي اللّه عنه : لو أن رجلا ارتكب جميع الكبائر ثم لم يكن فيه شيء من هذه الأهواء والبدع لرجوت له. ثم قال : من مات على السنة فليبشر ثلاث مرات. وقال سهل : لا يرفع الحجاب عن العبد حتى يدفن نفسه في الثرى. قيل له : كيف يدفن نفسه في الثرى؟ قال : يميتها على السنة، ويدفنها في اتباع السنة، لأن لكل شيء من مقامات العابدين مثل الخوف والرجاء والحب والشوق والزهد والرضا والتوكل غاية، إلا السنة فإنه ليست لها غاية ونهاية. وسئل عن معنى قوله :«ليست للسنة غاية» متى بن أحمد فقال : لا يكون لأحد مثل خوف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أو حبه أو شوقه، أو زهده أو رضاه أو توكله أو أخلاقه، وقد قال اللّه تعالى : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم : ٤]. وسئل عن معنى قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«أجيعوا أنفسكم وأعروها» «١»، فقال : أجيعوا أنفسكم إلى العلم وأعروها عن الجهل.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٩]
وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩)
قوله : قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [٣٩] أي ما شاء اللّه في سابق علمه، لا يقف عليه أحد إلا اللّه تعالى، لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [٣٩] أي لا قوة لنا على أداء ما أمرتنا به في الأصل، والسلامة منه في الفرع، والخاتمة المحمودة إلا بمعونتك، وكذا تفسير قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا حول ولا قوة إلا باللّه» «٢» أي لا حول عن السلامة من الجهل في الأصل، ومن الإصرار في الفرع إلا بعصمتك ولا قوة لنا على أداء ما أمرتنا به في الأصل والسلامة منه في الفرع والخاتمة المحمودة إلا بمعونتك.
وسئل سهل : ما أفضل ما أعطي العبد؟ قال : علم يستزيد به افتقارا إلى اللّه عزّ وجلّ.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٥]
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥)
قوله : وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى [٥٥] قال : جاءهم الهدى وطرق الهداية كانت مسدودة عليهم، فمنعهم الهدى والإيمان الحكم الذي جرى عليهم في الأزل.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٩]
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩)
قوله : قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ [١٠٩] قال : أي بعلم ربي وعجائبه، ثم قال : إن من علمه كتابه، لو أن عبدا أعطي لكل حرف من القرآن ألف فهم لما بلغ نهايته علم اللّه فيه، لأنه كلامه القديم، وكلامه صفته، ولا نهاية لصفاته، كما لا نهاية له، وإنما يفهم على قدر ما يفتح اللّه على قلوب أوليائه من فهم كلامه.
قوله : فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [١١٠] قال : العمل الصالح ما كان خاليا عن الرياء مقيدا بالسنة، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
________
(١) هذا القول للنبي عيسى عليه السلام في الحلية ٢/ ٣٧٠.
(٢) صحيح البخاري : التهجد، رقم ١٠٦٩.


الصفحة التالية
Icon