ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أنّ الحمد ما هو، والعراك ما هو، من بين أجناس الأفعال. والاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس وهم منهم. وقرأ الحسن البصري :(الحمد للَّه) بكسر الدال لإتباعها اللام. وقرأ إبراهيم بن أبى عبلة :(الحمد للَّه) بضم اللام لإتباعها الدال، والذي جسرهما على ذلك - والإتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل ومغيرة - تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين، وأشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للإعرابية التي هي أقوى، بخلاف قراءة الحسن.
الرب : المالك. ومنه قول صفوان لأبى سفيان : لأن يربني رجل من قريش أحب إلىّ من أن يربني رجل من هوازن «١». تقول : ربه يربه فهو رب، كما تقول : نمّ عليه ينمّ فهو نمّ.
ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل، ولم يطلقوا الرب إلا في اللَّه وحده، وهو في غيره على التقيد بالإضافة، كقولهم : رب الدار، ورب الناقة، وقوله تعالى :(ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ)، (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ). وقرأ زيد بن على رضى اللَّه عنهما :(رب العالمين) بالنصب على المدح، وقيل بما دل عليه الْحَمْدُ لِلَّهِ، كأنه قيل : نحمد اللَّه رب العالمين.
العالم : اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين، «٢» وقيل : كل ما علم به الخالق من الأجسام
(١). موقوف. قال ابن إسحاق في المغازي : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد اللَّه عن أبيه في قصة حنين. وفيه قول صفوان هذا. ومن طريقه أخرجه ابن حبان في صحيحه. والبيهقي في الدلائل. ورواه جويرية عن مالك عن الزهري مرسلا. وأخرجه الدارقطني في الغرائب.
(تنبيه) وقع فيه أن صفوان قال ذلك لأبى سفيان. والذي في مرسل الزهري أنه قال لابن أخيه. والذي في المغازي : أنه قال لأخيه ابن أمه كلدة. وأخرجه أبو يعلى من طريق ابن إسحاق.
(٢). قال محمود رحمه اللَّه :«العالم اسم لذوي العلم من الملائكة... الخ». قال أحمد رحمه اللَّه : تعليله الجمع بافادة استغراقه لكل جنس تحته فيه نظر فان «عالما» كما قرره : اسم جنس عرف باللام الجنسية، فصار العالم - وهو مفرد - أدل على الاستغراق منه جمعاً. قال إمام الحرمين رحمه اللَّه : التمر أحرى باستغراق الجنس من التمور فان التمر يسترسل على الجنس لا بصيغة لفظية، والتمور ترده إلى تخيل الوجدان، ثم الاستغراق بعده بصيغة الجمع، وفي صيغة الجمع مضطرب. انتهي كلامه. والتحقيق في هذا وفي كل ما يجمع من أسماء الأجناس ثم يعرف تعريف الجنس : أنه يفيد أمرين : أحدهما أن ذلك الجنس تحته أنواع مختلفة.
والآخر أنه مستغرق لجميع ما تحته منها لكن المفيد لاختلاف الأنواع الجمع، والمفيد لاستغراق جميعها التعريف ألا ترى أنه إذا جمع مجردا من التعريف دل على اختلاف الأنواع، ثم إذا عرف أفاد استغراقا غير موقوف على الجمعية، إذ هذا حكم مفرده إذا عرف فقول الزمخشري اذاً «إن فائدة جمع العالمين الاستغراق» مردود بثبوت هذه الفائدة وإن لم يجمع وقول إمام الحرمين «إن الجمع يؤيد الاشعار بالاستغراق لما نتخيله من الرد إلى الوجدان» مرود بأن فائدة الجمع الاشعار باختلاف الأنواع، واختلافها لا ينافي استغراقها بصيغة المفرد المقر من تعريف الجنس، وإن أراد أن الجمع يخيل الاشارة إلى أنواع محله معهودة فهذا الخيال يعينه من المفرد، فالعالم إذاً جمع ليفيد اختلاف الأنواع المندرجة تحته من الجن والانس والملائكة، وعرف ليفيد عموم الربوبية للَّه تعالى في كل أنواعه وتوضيح هذا التقرير : أنا لو فرضنا جنساً ليس تحته إلا آحاد متساوية وهو الذي يسميه غير النحاة النوع الأسفل، لما جاز جمع هذا بحال، لا معرفا ولا منكراً، وبهذا الفائدة يرد قول إمام الحرمين «إن التمور جمع من حيث اللفظ» لا معنى تحته لجمع الجمع في نحو نوق ونياق وأنيق وأما تعليل الزمخشري جمعه بالواو والنون باشعاره لصفة العلم فيلحق بصفات من يعقل، فصحيح إذا بنى الأمر على أنه لا يتناول إلا أولى العلم : وأما على القول بأنه اسم لكل موجود سوى اللَّه، فيحتاج إلى مزيد نظر في تغليب العاقل في الجمع على غير العاقل