مَلَكَ يومَ الدين، بلفظ الفعل ونصب اليوم، وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه : مالكَ بالنصب.
وقرأ غيره : مَلَك، وهو نصب على المدح؛ ومنهم من قرأ : مالكٌ، بالرفع.
وملك : هو الاختيار، لأنه قراءة أهل الحرمين، ولقوله :﴿ لّمَنِ الملك اليوم ﴾ [ غافر : ١٦ ]، ولقوله :﴿ مَلِكِ الناس ﴾ [ الناس : ٢ ]، ولأن الملك يعم والملك يخص.
ويوم الدين : يوم الجزاء.
ومنه قولهم :
( ٣ ) «كما تدين تدان».
وبيت الحماسة :
ولَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا...
نِ دِنَّاهمْ كما دَانُوا
فإن قلت : ما هذه الإضافة؟
قلت : هي إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الإتساع، مُجرى مجرى المفعول به كقولهم : يا سارق الليلة أهل الدار، والمعنى على الظرفية.
ومعناه : مالك الأمر كله في يوم الدين، كقوله :﴿ لّمَنِ الملك اليوم ﴾ [ غافر : ١٦ ].
فإن قلت : فإضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقة فلا تكون معطية معنى التعريف، فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة؟
قلت : إنما تكون غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال، فكان في تقدير الانفصال، كقولك : مالك الساعة، أو غداً.
فأمّا إذا قصد معنى الماضي، كقولك : هو مالك عبده أمس، أو زمان مستمرّ، كقولك : زيد مالك العبيد، كانت الإضافة حقيقية، كقولك : مولى العبيد، وهذا هو المعنى في ﴿ مالك يَوْمِ الدين ﴾، ويجوز أن يكون المعنى : ملك الأمور يوم الدين، كقوله :﴿ وَنَادَى أصحاب الجنة ﴾ [ الأعراف : ٤٤ ]، ﴿ ونادى أصحاب الاعراف ﴾ [ الأعراف : ٤٨ ]، والدليل عليه قراءة أبي حنيفة :«مَلَكَ يومَ الدين»، وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه من كونه رباً مالكاً للعالمين لا يخرج منهم شيء من ملكوته وربوبيته، ومن كونه منعماً بالنعم كلها الظاهرة والباطنة والجلائل والدقائق، ومن كونه مالكاً للأمر كله في العاقبة يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة


الصفحة التالية
Icon