والريب : مصدر رابنى، إذا حصل فيك الريبة. وحقيقة الريبة : قلق النفس واضطرابها.
ومنه ما روى الحسن بن على قال : سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول :«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك «١» فإن الشك ريبة، وإنّ الصدق طمأنينة» أى فإن كون الأمر مشكوكا فيه مما تقلق له النفس ولا تستقرّ. وكونه صحيحا صادقا مما تطمئن له وتسكن. ومنه : ريب الزمان، وهو ما يقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه. ومنه أنه مر بظبي حاقف «٢» فقال :
«لا يربه أحد بشيء «٣». فإن قلت : كيف نفى الريب على سبيل الاستغراق؟ وكم من مرتاب فيه؟ قلت : ما نفى أنّ أحدا لا يرتاب فيه «٤» وإنما المنفي كونه متعلقا للريب ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه. ألا ترى إلى قوله تعالى :
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)، فما أبعد وجود الريب منهم؟ وإنما عرفهم الطريق إلى مزيل الريب، وهو أن يحزروا أنفسهم ويروزوا قواهم في البلاغة، هل تتم للمعارضة أم تتضاءل دونها؟ فيتحققوا عند عجزهم أن ليس فيه مجال للشبهة ولا مدخل للريبة. فإن قلت : فهلا قدّم الظرف على الريب، كما قدّم على الغول في قوله تعالى :
(لا فِيها غَوْلٌ)؟ قلت : لأنّ القصد في إيلاء الريب حرف النفي، نفى الريب عنه، وإثبات أنه حق وصدق لا باطل وكذب، كما كان المشركون يدّعونه، ولو أولى الظرف لقصد إلى ما يبعد عن المراد، وهو أنّ كتابا آخر فيه الريب لا فيه، كما قصد في قوله :(لا فِيها غَوْلٌ) تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي، كأنه قيل : ليس فيها
(١). أخرجه الترمذي في آخر الطب، والحاكم في الأحكام وفي البيوع. والطبراني والبزار. ورواه البيهقي في الشعب بلفظ «فان الشر ريبة والخير طمأنينة»
(٢). قوله «أنه مر بظبي حاقف» لعله : أنه صلى اللَّه عليه وسلم الخ. وفي الصحاح أنه عليه السلام مر بظبي حاتف في ظل شجرة، وهو الذي انحنى وتثنى في نومه اه (ع)
(٣). أخرجه في الموطأ. والنسائي في الحج. وابن حبان من رواية عمر بن سلمة الضمري عن البهرى : أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم، حتى إذا كان بالاثاية بين الرويثة والعرج، إذا ظبى حاتف في ظل وفيه سهم. فأمر رجلا أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزوه. ولإسحاق في مسنده : فقال لبعض القوم :«كن حتى يمر الناس ولا يريبه أحد بشي ء» اه. البهرى وقع في مسند أبى يعلى أن اسمه مخول، ولفظه : تبعت حبائل لي بالأبواء فوقع فيها ظبى، فأقلت والحبل في رجله، فخرجت أقفوه فسبقني إليه رجل فاحتضنها، ثم ترافعنا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فجعله بيننا نصفين.
(٤). قوله «أن أحداً لا يرتاب فيه» لعله أن أحداً يرتاب فيه. وقد يقال المراد ما نفى الريب على معنى أن أحداً لا يرتاب فيه. (ع)