وَجِيهاً حال من (بِكَلِمَةٍ) وكذلك قوله : ومن المقربين، ويكلم، ومن الصالحين. أى يبشرك به موصوفا بهذه الصفات. وصح انتصاب الحال من النكرة لكونها موصوفة. والوجاهة في الدنيا : النبوّة والتقدم على الناس. وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة. وكونه مِنَ الْمُقَرَّبِينَ رفعه إلى السماء وصحبته للملائكة. والمهد : ما يمهد للصبي من مضجعه، سمى بالمصدر.
وفِي الْمَهْدِ في محل النصب على الحال وَكَهْلًا عطف عليه بمعنى : ويكلم الناس طفلا وكهلا.
ومعناه : يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء، من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء. ومن بدع التفاسير أن قولها رَبِّ نداء لجبريل عليه السلام بمعنى يا سيدي (و نعلمه) عطف على يبشرك، أو على وجيها أو على يخلق، أو هو كلام مبتدأ. وقرأ عاصم ونافع : ويعلمه، بالياء. فإن قلت : علام تحمل : ورسولا، ومصدّقا، من المنصوبات المتقدّمة، وقوله :(أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) و(لِما بَيْنَ يَدَيَّ) يأبى حمله عليها؟ قلت :
هو من المضايق، وفيه وجهان : أحدهما أن يضمر له «و أرسلت» على إرادة القول تقديره : ونعلمه الكتاب والحكمة، ويقول أرسلت رسولا بأنى قد جئتكم. ومصدقا لما بين يدي. والثاني أن الرسول والمصدّق فيهما معنى النطق، فكأنه قيل : وناطقا بأنى قد جئتكم، وناطقا بأنى أصدق ما بين يدي وقرأ اليزيدي : ورسول : عطفاً على كلمة أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ أصله أرسلت بأنى قد جئتكم، فحذف الجار وانتصب بالفعل، وأَنِّي أَخْلُقُ نصب بدل من أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ أو جرّ بدل من آية، أو رفع على : هي أنى أخلق لكم، وقرئ : إنى، بالكسر على الاستئناف، أى أقدر لكم شيئا مثل صورة الطير فَأَنْفُخُ فِيهِ الضمير للكاف، أى في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير فَيَكُونُ طَيْراً فيصير طيراً كسائر الطيور حياً. وقرأ عبد اللَّه : فأنفخها. قال :
كَالْهَبْرَقِىِّ تَنَحَّى يَنْفُخُ الْفَحْمَا «١»
وقيل : لم يخلق غير الخفاش الْأَكْمَهَ الذي ولد أعمى، وقيل هو الممسوح العين. ويقال : لم يكن في هذه الأمّة أكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير. وروى أنه ربما اجتمع عليه خمسون ألفا من المرضى، من أطاق منهم أتاه، ومن لم يطق أتاه عيسى، وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده. وكرر بِإِذْنِ اللَّهِ دفعاً لوهم من توهم فيه اللاهوتية. وروى أنه أحيا

__
(١) مولى الريح قرنيه وجبهته كالهبرقى تنحى ينفخ الفحما
للنابغة يصف ثوراً وحشياً موجها قرنيه وجبهته إلى الريح، فهو مستقبلها برأسه وينفخ في مقابلتها بفمه، فيسمع له صوت، فهو كالهبرقى - وزان جعفري وزبرجى - وهو الحداد والصائغ. ويروى : كالحرقى، أى الحداد، نسبة لحرق النار، شبهه به سال كونه انحاز إلى ناحية ينفخ الفحم المنقد بالنار، فينفخ : حال متداخلة.


الصفحة التالية
Icon