الإسلام؟ «١» وقال اللَّه تعالى :(وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ). فلما كانتا بهذه المثابة كان من شأنهما استجرار سائر العبادات واستتباعها. ومن ثم اختصر الكلام اختصاراً، بأن استغنى عن عدّ الطاعات بذكر ما هو كالعنوان لها، والذي إذا وجد لم تتوقف أخواته أن تقترن به، مع ما في ذلك من الإفصاح عن فضل هاتين العبادتين. وأما الترك فكذلك. ألا ترى إلى قوله تعالى :(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)؟ ويحتمل أن لا تكون بيانا للمتقين، وتكون صفة برأسها دالة على فعل الطاعات، ويراد بالمتقين الذين يجتنبون المعاصي.
ويحتمل أن تكون مدحا للموصوفين بالتقوى، وتخصيصاً للإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر إظهاراً لإنافتها على سائر ما يدخل تحت حقيقة هذا الاسم من الحسنات والإيمان : إفعال من الأمن. يقال : أمنته وآمنته غيرى. ثم يقال : آمنه إذا صدّقه.
وحقيقته : آمنه التكذيب والمخالفة. وأمّا تعديته بالباء فلتضمينه معنى أقرّ وأعترف. وأمّا ما حكى أبو زيد عن العرب : ما آمنت أن أجد صحابة - أى ما وثقت - فحقيقته : صرت ذا أمن به، أى ذا سكون وطمأنينة، وكلا الوجهين حسن في (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) أى يعترفون به أو يثقون بأنه حق. ويجوز أن لا يكون (بالغيب) صلة للإيمان، وأن يكون في موضع الحال، أى يؤمنون غائبين عن المؤمن به. وحقيقته : ملتبسين بالغيب، كقوله :(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ)، (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ). ويعضده ما روى «أن أصحاب عبد اللَّه ذكروا أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «٢» وإيمانهم، فقال ابن مسعود : إنّ أمر محمد كان بيناً لمن رآه. والذي لا إله غيره، ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ هذه الآية. فإن قلت : فما المراد بالغيب إن جعلته صلة؟ وإن جعلته حالا؟ قلت : إن جعلته صلة كان بمعنى

__
(١). أما الحديث الأول، فأخرجه البيهقي في الشعب من طريق عكرمة عن عمر رضى اللَّه عنه في حديث في آخره «و الصلاة عماد الدين» قال : وعكرمة لم يسمع من عمر. قال : وأراه عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما. وله شاهد من حديث على رضى اللَّه عنه بلفظ «الصلاة عماد الإسلام» أخرجه الأصبهانى في الترغيب. وغفل ابن الصلاح في مشكل الوسيط فقال : هذا حديث غير معروف. قلت : والطيبي عزاه لتخريج الترمذي في حديث معاذ ففيه «و عموده الصلاة»، ولا يخفى بعده.
وأما الحديث الثاني، فرواه مسلم من حديث جابر رضى اللَّه عنه بلفظ «بين الرجل وبين الكفر تركه الصلاة».
وأما الحديث الثالث، فرواه إسحاق في مسنده من حديث أبى الدرداء رضى اللَّه عنه به سواء. وفيه الضحاك ابن حمق. وهو ضعيف.
(٢). موقوف. أخرجه الحاكم من طريق عبد الرحمن بن زيد «ذكروا عند عبد اللَّه بن مسعود. الخ» وإسناده صحيح.


الصفحة التالية
Icon