الاستفهام ولا استفهام، كما أن ذلك جرى على صورة النداء ولا نداء. ومعنى الاستواء استواؤهما في علم المستفهم عنهما لأنه قد علم أن أحد الأمرين كائن، إمّا الإنذار وإمّا عدمه، ولكن لا بعينه، فكلاهما معلوم بعلم غير معين. وقرئ :(أَ أَنْذَرْتَهُمْ) بتحقيق الهمزتين، والتخفيف أعرب وأكثر، وبتخفيف الثانية بين بين، وبتوسيط ألف بينهما محققتين، وبتوسيطها والثانية بين بين، وبحذف حرف الاستفهام، وبحذفه وإلقاء حركته على الساكن قبله، كما قرئ (قَدْ أَفْلَحَ).
فإن قلت : ما تقول فيمن يقلب الثانية ألفاً؟ قلت : هو لاحن خارج عن كلام العرب خروجين : أحدهما الإقدام على جمع الساكنين على غير حدّه - وحدّه أن يكون الأوّل حرف لين والثاني حرفا مدغماً نحو قوله : الضالين، وخويصة «١» والثاني : إخطاء طريق التخفيف لأن طريق تخفيف الهمزة المتحرّكة المفتوح ما قبلها أن تخرج بين بين فأما القلب ألفاً فهو تخفيف الهمزة الساكنة المفتوح ما قبلها كهمزة رأس. والإنذار : التخويف من عقاب اللَّه بالزجر عن المعاصي. فإن قلت : ما موقع لا يُؤْمِنُونَ؟ قلت : إمّا أن يكون جملة مؤكدة للجملة قبلها، أو خبراً لإنّ والجملة قبلها اعتراض.
[سورة البقرة (٢) : آية ٧]
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)
الختم والكتم أخوان لأن في الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه كتما له وتغطية لئلا يتوصل إليه ولا يطلع عليه.
والغشاوة الغطاء فعالة من غشاه إذا غطاه، وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة.
فإن قلت : ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار؟ قلت : لا ختم ولا تغشية «٢» ثم على الحقيقة، وإنما هو من باب المجاز، ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه وهما الاستعارة والتمثيل. أما الاستعارة فأن تجعل قلوبهم لأن الحق لا ينفذ فيها ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل إعراضهم عنه واستكبارهم عن قبوله واعتقاده، وأسماعهم لأنها تمجه وتنبو عن الإصغاء إليه وتعاف استماعه كأنها مستوثق منها بالختم، وأبصارهم لأنها لا تجتلى آيات اللَّه المعروضة ودلائله المنصوبة كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين كأنما غطى عليها وحجبت، وحيل بينها وبين الإدراك.
وأمّا التمثيل فأن تمثل حيث لم يستنفعوا بها في الأغراض الدينية التي كلفوها وخلقوا من

__
(١). قوله «و خويصة» مسلم من رواية زياد بن رباح عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه :«بادروا بالأعمال ستا...» فذكره. وفيه «و خويصة أحدكم».
(٢). قوله «لا ختم ولا تغشية» ولا تغطية.


الصفحة التالية
Icon