وإنما القائل والراسم وزيره أو بعض خاصته الذين قولهم قوله ورسمهم رسمه. مصداقه قوله :
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وقوله :(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ). والرابع : أن يكون من قولهم : أعجبنى زيد وكرمه، فيكون المعنى يخادعون الذين آمنوا باللَّه. وفائدة هذه الطريقة قوة الاختصاص، ولما كان المؤمنون من اللَّه بمكان، سلك بهم ذلك المسلك. ومثله :(وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) وكذلك :(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ونظيره في كلامهم : علمت زيدا فاضلا، والغرض فيه ذكر إحاطة العلم بفضل زيد لا به نفسه لأنه كان معلوما له قديما كأنه قيل : علمت فضل زيد ولكن ذكر زيد توطئة وتمهيد لذكر فضله. فإن قلت : هل للاقتصار بخادعت على واحد وجه صحيح؟ قلت : وجهه أن يقال : عنى به «فعلت» إلا أنه أخرج في زنة «فاعلت» لأن الزنة في أصلها للمغالبة والمباراة، والفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده من غير مغالب ولا مبار لزيادة قوة الداعي إليه. ويعضده قراءة من قرأ :(يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) وهو أبو حيوة. و(يُخادِعُونَ) بيان ليقول. ويجوز أن يكون مستأنفا كأنه قيل : ولم يدعون الإيمان كاذبين وما رفقهم في ذلك؟ فقيل يخادعون. فان قلت : عمّ كانوا يخادعون؟
قلت : كانوا يخادعونهم عن أغراض لهم ومقاصد منها متاركتهم وإعفاؤهم عن المحاربة وعما كانوا يطرقون به من سواهم من الكفار. ومنها اصطناعهم بما يصطنعون به المؤمنين من إكرامهم والإحسان إليهم وإعطائهم الحظوظ من المغانم ونحو ذلك من الفوائد، ومنها اطلاعهم - لاختلاطهم بهم - على الأسرار التي كانوا حراصا على إذاعتها إلى منابذيهم. فإن قلت : فلو أظهر عليهم حتى لا يصلوا إلى هذه الأغراض بخداعهم عنها. قلت : لم يظهر عليهم لما أحاط به علما من المصالح التي لو أظهر عليهم لانقلبت مفاسد واستبقاء إبليس وذرّيته ومتاركتهم وما هم عليه من إغواء المنافقين وتلقينهم النفاق أشدّ من ذلك. ولكن السبب فيه ما علمه تعالى من المصلحة. فإن قلت : ما المراد بقوله :(وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)؟ قلت :
يجوز أن يراد : وما يعاملون تلك المعاملة المشبهة بمعاملة المخادعين إلا أنفسهم لأن ضررها يلحقهم، ومكرها يحيق بهم، كما تقول : فلان يضارّ فلانا وما يضارّ إلا نفسه، أى : دائرة الضرار راجعة إليه وغير متخطية إياه، وأن يراد حقيقة المخادعة أى : وهم في ذلك يخدعون أنفسهم حيث يمنونها الأباطيل ويكذبونها فيما يحدثونها به، وأنفسهم كذلك تمنيهم وتحدّثهم بالأمانى وأن يراد : وما يخدعون فجيء به على لفظ «يفاعلون» للمبالغة. وقرئ : وما يخدعون،