اللَّه ما أشركنا، ونفياً لوهم من عسى يتوهم «١» عند إسناد المدّ إلى ذاته لو لم يضف الطغيان اليهم ليميط الشبه ويقلعها ويدفع في صدر من يلحد في صفاته. ومصداق ذلك أنه حين أسند المدّ إلى الشياطين، أطلق الغىّ ولم يقيده بالإضافة في قوله :(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ).
والعمه : مثل العمى، إلا أن العمى عامّ في البصر والرأى، والعمه في الرأى خاصة، وهو التحير والتردّد، لا يدرى أين يتوجه. ومنه قوله : بالجاهلين العمه، أى الذين لا رأى لهم ولا دراية بالطرق. وسلك أرضاً عمهاء : لا منار بها «٢» ومعنى اشتراء الضلالة بالهدى : اختيارها عليه واستبدالها به، على سبيل الاستعارة، لأنّ الاشتراء فيه إعطاء بدل وأخذ آخر «٣». ومنه :
أَخَذْتُ بالجُمَّةِ رَأْساً أزْعَرَا وبالثَّنَايَا الْوَاضِحَاتِ الدَّرْدَرَا
وبالطَّوِيلِ العُمْرِ عُمْراً حَيْدَرَا كما اشْتَرَى المُسْلِمُ إذْ تَنَصَّرَا «٤»
وعن وهب : قال اللَّه عز وجل فيما يعيب به بنى إسرائيل :«تفقهون لغير الدين، وتعلمون لغير العمل، وتبتاعون الدنيا بعمل الآخرة». فان قلت : كيف اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى؟ قلت : جعلوا لتمكنهم منه وإعراضه لهم «٥» كأنه في أيديهم، فإذا تركوه إلى
(١). قوله «و نفياً لو هم من عسى... الخ» يريد الرد على أهل السنة القائلين : إن اللَّه تعالى هو الفاعل في الحقيقة للخير والشر. وينتصر للمعتزلة القائلين بأنه تعالى لا يفعل الشر ولا يريده (ع)
(٢). قوله «و سلك أرضاً عمهاء» أى ومنه قولهم سلك... الخ (ع)
(٣). قال محمود رحمه اللَّه :«الشراء يستدعي بذل العوض... الخ». قال أحمد رحمه اللَّه : ومن هذا القبيل منع مالك رضى اللَّه عنه أن يشترى إحدى أوزتين مذبوحتين يختارها المشترى منهما، لأنه يعد مختاراً لكل واحدة منهما، ثم بائعاً لها بالأخرى فيدخله الربا، وهو الذي يعبر عنه متأخرو أصحابه بأن من ملك أن يملك هل يعد مالكا أولا؟ وربما قالوا : من خير بين شيئين عد منتقلا على أحد القولين.
(٤). «الجمة» : كثيرة الشعر، والباء للبدل، و«زعر» كتعب فهو أزعر، أى قليل الشعر. ويقال للموضع الذي لا نبات فيه. والثنايا : مقدم الأسنان. والمراد الثغر كله. والدردر - بالفتح - منارز الأسنان. والحيدر :
القصير. واشترى : استبدل. والمراد أنه أخذ امرأة عجوزاً قبيحة بدل امرأة شابة جميلة، وروى أن حبلة بن الأيهم قد مكة فطاف بالكعبة، فوطئ رجل إزاره، فلطمه فشكى إلى عمر رضى اللَّه عنه فحكم بالقصاص من جبلة، فاستمهله إلى الغد وهرب ليلا إلى الروم، وتنصر بعد الإسلام، ثم ندم على ما فعل فضرب به المثل.
(٥). قوله «و إعراضه لهم» في الصحاح : اعترض لك الخير، إذا أمكنك (ع)