صُم إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِهِ وإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا «١»
أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ
أَصَمُّ عَنِ الشَّىْءِ الَّذِى لا ارِيدُهُ وأَسْمَعُ خَلْقِ اللَّهِ حِينَ أُرِيدُ «٢»
فأَصمَمتُ عَمْراً وأَعْمَيتُهُ عَنِ الجُودِ والفَخْرِ يَوْمَ الفَخَار «٣»
فإن قلت : كيف طريقته عند علماء البيان؟ قلت : طريقة قولهم «هم ليوث» للشجعان، وبحور للأسخياء. إلا أنّ هذا في الصفات، وذاك في الأسماء، وقد جاءت الاستعارة في الأسماء والصفات والأفعال جميعاً. تقول : رأيت ليوثا، ولقيت صما عن الخير، ودجا الإسلام.
وأضاء الحق. فإن قلت : هل يسمى ما في الآية استعارة؟ قلت : مختلف فيه. والمحققون على

__
(١) إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا منى وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
جهلا على وجبنا عن عدوهم لبئست الخلتان الجهل والجبن
لقعنب بن أم صاحب بن ضمرة. وضمرة أبوه. وأم صاحب : كنية أمه. يقول : إن يسمعوا. وروى : يأذنوا، كيسمعوا وزنا ومعنى، من جهتى كلمة بهتان وزور أذاعوها، فكأنهم يطيرون بها بين الناس من فرحهم بما تقل عنى.
فالطيران استعارة مصرحة لذلك. قال اين مالك تبعا للفراء : ويجوز إجابة المضارع بالماضي وإن منعه الجمهور في الاختيار. وأى شيء سمعوه من قول صالح كتموه، فالدفن استعارة تصريحية أيضاً. وهم صم : أى كالصم، فهو تشبيه بليغ واستعارة على الخلاف. وإن ذكرت عندهم بسوء أذنوا وأنصتوا. ويروى «سبة» بالضم : ما يسب به. وقد يروى : سبأة، بتحتية ساكنة فهمزة. ويروى : وما يسمعوا. ويروى : صموا، على لفظ الماضي، بدل صم. ويروى بسوء كلهم أذن :
أى فكلهم أذن فهو على تقدير الفاء، لأنه جواب الشرط. ويحتمل أنه على التقديم والتأخير : أى كلهم أذن إن ذكرت بسوء وهو أنسب بما قبله. وجعلهم نفس الأذن مبالغة. ويجوز أن الأذن وصف يقع على الواحد والمتعدد، وذلك لجهلهم وبأسهم على، وجبنهم وضعفهم عن عدوهم. وقيل : هو على تقدير جمعوا جهلا. والخلتان الخصلتان. والجبن بضمتين لغة فيه. وفيه إطاب بالتوشع، لأنه أتى بمثنى وفسره باسمين ثانيهما معطوف على الأول وهو حسن. [.....]
(٢). صم صمما، كتعب تعباً. فأصم - بفتح الصاد - فعل مضارع. ولو جعلته اسما على الخبرية لضمير محذوف لكانت مناسبة لأسمع المعطوف عليه. والمعنى أن حالى تكون كحال الأصم فهو مجاز عن ذلك. وأسمع : أى أفعل بمقتضى السماع، فهو مجاز أيضا. ويجوز أنه كناية. يقول : لا أستمع لما أكره. وأسمع كلام خلق اللَّه حين أريده، بأن يكون محبوبا إلى، أو حين أريد السماع.
(٣). يقول : لما أظهرت مفاخرى ومكارمى، أصممت عمرا : أى صيرته كالأصم. وأعميته : أى صيرته كالأعمى فالصمم والعمي : استعارتان مصرحتان. والمراد ألجمته وأسكته عن الكلام في الفخر والجود حين مفاخرتى إياه.
وقيل أصممته وأعميته : وجدته أصم ووجدته أعمى : أى كأنه كذلك على ما مر.


الصفحة التالية
Icon