أعم العام «١» لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، فيقع على القديم والجرم والعرض والمحال والمستقيم. ولذلك صحّ أن يقال في اللّه عزّ وجلّ : شيء لا كالأشياء، كأنك قلت : معلوم لا كسائر المعلومات، ولا يصح : جسم لا كالأجسام
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٩]
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩)
وأراد : أى شهيد أَكْبَرُ شَهادَةً فوضع شيئاً مقام شهيد ليبالغ في التعميم قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ يحتمل أن يكون تمام الجواب عند قوله قُلِ اللَّهُ بمعنى اللّه أكبر شهادة، ثم ابتدئ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أى هو شهيد بيني وبينكم، وأن يكون اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ هو الجواب، لدلالته على أنّ اللّه عزّ وجلّ إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم، فأكبر شيء شهادة شهيد له وَمَنْ بَلَغَ عطف على ضمير المخاطبين من أهل مكة. أى : لأنذركم به وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم. وقيل : من الثقلين. وقيل : من بلغه إلى يوم القيامة. وعن سعيد بن جبير : من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً صلى اللّه عليه وسلم أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ تقرير لهم مع إنكار واستبعاد قُلْ لا أَشْهَدُ شهادتكم
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٠ إلى ٢١]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١)
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى اليهود والنصارى يعرفون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحليته ونعته الثابت في الكتابين معرفة خالصة كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ بحلاهم ونعوتهم لا يخفون

__
(١). قال محمود :«الشيء أعم العام، لوقوعه على كل ما يصح... الخ» قال أحمد وتفسيره الشيء يخالف الفريقين الأشعرية، فإنهم فسروه بالموجود ليس إلا، والمعتزلة فإنهم قالوا : والمعلوم الذي يصح وجوده، فاتفقوا على خروج المستحيل. وعلى الجملة فهذه المسألة معدودة من علم الكلام باعتبار ما. وأما هذا البحث فلغوى والتحاكم فيه لأهل اللغة، وظاهر قولهم غضبت من لا شيء، وإذا رأى غير شيء ظنه رجلا - أن الشيء لا ينطلق إلا على الموجود إذ لو كان الشيء كل ما يصح أن يعلم عدما كان أو وجوداً أو ممكنا أو مستحيلا، لما صدق على أمر ما أنه ليس بشيء والأمر في ذلك قريب. [.....]


الصفحة التالية
Icon