قلت : إنما كان ذلك لأن الجملة القسمية لاتساق إلا تأكيداً للجملة المقسم عليها، التي هي جوابها، فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى «قد» عند استماع المخاطب كلمة القسم. قيل :
أرسل نوح عليه السلام وهو ابن خمسين سنة، وكان نجاراً وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وأخنوخ اسم إدريس النبي عليه السلام. وقرئ : غيره، بالحركات الثلاث، فالرفع على المحل، كأنه قيل : ما لكم إله غيره. والجر على اللفظ والنصب على الاستثناء، بمعنى : ما لكم من إله إلا إياه، كقولك : ما في الدار من أحد إلا زيد أو غير زيد. فإن قلت : فما موقع الجملتين بعد قوله اعْبُدُوا اللَّهَ؟ قلت : الأولى بيان لوجه اختصاصه بالعبادة. والثانية : بيان للداعي إلى عبادته لأنه هو المحذور عقابه دون ما كانوا يعبدونه من دون اللّه. واليوم العظيم : يوم القيامة، أو يوم نزول العذاب عليهم وهو الطوفان.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٠ إلى ٦٢]
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢)
الْمَلَأُ الأشراف والسادة. وقيل : الرجال ليس معهم نساء فِي ضَلالٍ في ذهاب عن طريق الصواب والحق. ومعنى الرؤية : رؤية القلب. فإن قلت : لم قال لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ ولم يقل ضلال «١» كما قالوا؟ قلت : الضلالة أخصّ من الضلال، فكانت أبلغ في نفى الضلال
(١). قال محمود :«إن قلت لم قال ليس بى ضلالة ولم يقل ضلال... الخ»؟ قال أحمد : تعليله كون نفيها أبلغ من نفى الضلال بأنها أخص منه، غير مستقيم واللّه أعلم، فان نفى الأخص أعم من نفى الأعم، فلا يستلزمه ضرورة أن الأعم لا يستلزم الأخص، بخلاف العكس. ألا تراك إذا قلت : هذا ليس بإنسان، لم يستلزم ذلك أن لا يكون حيوانا. ولو قلت : هذا ليس بحيوان، لاستلزم أن لا يكون إنسانا، فنفى الأعم كما ترى أبلغ من نفى الأخص.
والتحقيق في الجواب أن يقال : الضلالة أدنى من الضلال وأقل، لأنها لا تطلق إلا على الفعلة الواحدة منه. وأما الضلال فينطلق على القليل والكثير من جنسه، ونفى الأدنى أبلغ من نفى الأعلى، لا من حيث كونه أخص، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، واللّه أعلم.