كان لغرض صحيح على لسانه، من غير إذن فيه من اللّه تعالى، فانظر إلى إعظام اللّه تعالى أمر الرؤية في هذه الآية، وكيف أرجف الجبل بطالبيها وجعله دكا، وكيف أصعقهم ولم يخل كليمه من نفيان «١» ذلك مبالغة في إعظام الأمر، وكيف سبح ربه ملتجئاً إليه، وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه وقال أنا أول المؤمنين، ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين بأهل السنة والجماعة «٢» كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا. ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة، فإنه من منصوبات أشياخهم! والقول ما قال بعض العدلية «٣» فيهم :
لجماعة سموا هواهم سنّة وجماعة حمر لعمري موكفه
قد شبّهوه بخلقه وتخوّفوا شنع الورى فتستّروا بالبلكفه «٤»
وتفسير آخر : وهو أن يريد بقوله أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ عرّفنى نفسك تعريفاً واضحاً جلياً، كأنها إرادة في جلائها بآية مثل آيات القيامة التي تضطر الخلق إلى معرفتك أَنْظُرْ إِلَيْكَ أعرفك معرفة اضطرار، كأنى أنظر إليك، كما جاء في الحديث «سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» «٥»

__
(١). قوله «و لم يخل كليمه من نفيان ذلك» قوله «نفيان» هو ما يتطاير من قطر المطر، وقطر الدلو، ومن الرمل عند الوطء، ومن الصوف عند النفش، ونحو ذلك. كذا في شرح المعلقات العلامة الزوزنى. (ع) [.....]
(٢). عاد كلامه. قال :«ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين بأهل السنة والجماعة... الخ» قال أحمد رحمه اللّه : وقد انتقل الزمخشري في هذا الفصل إلى ما تسمعه من هجاء أهل السنة. ولولا الاستناد بحسان بن ثابت الأنصارى صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وشاعره والمنافح عنه وروح القدس معه، لقلنا لهؤلاء المتلقبين بالعدلية وبالناجين سلاما، ولكن كما نافح حسان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعداءه، فنحن ننافح عن أصحاب سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعداءهم فنقول :
وجماعة كفروا برؤية ربهم حقاً ووعد اللّه ما لن يخلفه
وتلقبوا عدلية قلنا أجل عدلوا بربهم فحسبهمو سفه
وتلقبوا الناجين كلا إنهم إن لم يكونوا في لظى فعلى شفه
(٣). قوله «و القول من قال بعض العدلية» غفر اللّه للمصنف ما لوث به لسانه وقلبه في ذكر هذه الأبيات. (ع)
(٤). الزمخشري في أهل السنة، أى هم جماعة سموا هوى أنفسهم سنة، ولكن من عرف أن مستند المعتزلة العقل، ومستند الجماعة النقل عرف الهوى من الهدى. وحمر أى كالحمر. موكفة : أى موضوع عليها الاكاف، مبالغة في التشبيه.
قد شبهوه : أى اللّه عز وجل بخلقه حيث قالوا : إنه يرى بالعين، فخافوا تشنيع الناس عليهم فتستروا بقولهم : إنه يرى بلا كيف. فالبلكفة منحوتة من ذلك.
(٥). متفق عليه من حديث جرير بن عبد اللّه البجلي قال كنا جلوساً عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر. فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر - الحديث» وللبخاري من رواية «إنكم سترون ربكم عيانا» واتفقا عليه من حديث أبى سعيد وأبى هريرة بمعناه.


الصفحة التالية
Icon