السموات والأرض، وكذلك يُحيِي وَيُمِيتُ وفي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ بيان للجملة قبلها، لأنّ من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة. وفي يحيى ويميت : بيان لاختصاصه بالإلهية، لأنه لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره وَكَلِماتِهِ وما أنزل عليه وعلى من تقدّمه من الرسل من كتبه ووحيه. وقرئ وكلمته على الإفراد وهي القرآن. أو أراد جنس ما كلم به. وعن مجاهد : أراد عيسى ابن مريم.
وقيل : هي الكلمة التي تكوّن منها عيسى وجميع خلقه، وهي قوله كُنْ وإنما قيل إن عيسى كلمة اللّه، فخص بهذا الاسم، لأنه لم يكن لكونه سبب غير الكلمة، ولم يكن من نطفة تمنى لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ إرادة أن تهتدوا. فإن قلت : هلا قيل : فآمنوا باللّه وبى، بعد قوله : إنى رسول اللّه إليكم؟ قلت : عدل عن المضمر إلى الاسم الظاهر لتجرى عليه الصفات التي أجريت عليه، ولما في طريقة الالتفات من مزية البلاغة، وليعلم أنّ الذي وجب الإيمان به واتباعه هو هذا الشخص المستقل بأنه النبي الأمى الذي يؤمن باللّه وكلماته، كائناً من كان، أنا أو غيرى، إظهاراً للنصفة وتفادياً من العصبية لنفسه.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٩]
وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩)
وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ هم المؤمنون التائبون من بنى إسرائيل، لما ذكر الذين تزلزلوا منهم في الدين وارتابوا حتى أقدموا على العظيمتين عبادة العجل واستجازة رؤية اللّه تعالى، ذكر أنّ منهم أمة موقنين ثابتين يهدون الناس بكلمة الحق، ويدلونهم على الاستقامة ويرشدونهم. وبالحق يعدلون بينهم في الحكم لا يجورون. أو أراد الذين وصفهم ممن أدرك النبي صلى اللّه عليه وسلم وآمن به من أعقابهم. وقيل : إنّ بنى إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثنى عشر سبطاً تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا، وسألوا اللّه أن يفرق بينهم وبين إخوانهم، ففتح اللّه لهم نفقاً في الأرض فساروا فيه سنة ونصفاً حتى خرجوا من وراء الصين، وهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا. وذكر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن جبريل ذهب به ليلة الاسراء نحوهم، فكلمهم فقال لهم جبريل : هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا : لا. قال : هذا محمد النبي الأمى، فآمنوا به وقالوا : يا رسول اللّه، إن موسى أوصانا من أدرك منكم أحمد، فليقرأ عليه منى السلام فردّ محمد على موسى عليهما السلام السلام، ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة، ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم، وكانوا يسبتون، فأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت. وعن مسروق. قرئ : بين يدي عبد اللّه فقال رجل : إنى منهم. فقال عبد اللّه : يعنى لمن كان في مجلسه من المؤمنين : وهل يزيد صلحاؤكم عليهم شيئاً من يهدى بالحق وبه يعدل. وقيل : لو كانوا في طرف من الدنيا متمسكين بشريعة ولم يبلغهم نسخها كانوا معذورين.


الصفحة التالية
Icon