فَلَمَّا آتاهُما ما طلباه من الولد الصالح السوىّ جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ أى جعل أولادهما له شركاء، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك فِيما آتاهُما أى آتى أولادهما، وقد دلّ على ذلك بقوله فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ حيث جمع الضمير. وآدم وحواء بريئان من الشرك. ومعنى إشراكهم فيما آتاهم اللّه : تسميتهم أولادهم بعبد العزى وعبد مناة «١» وعبد شمس وما أشبه ذلك، مكان عبد اللّه وعبد الرحمن وعبد الرحيم. ووجه آخر وهو أن يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهم آل قصى ألا ترى إلى قوله في قصة أم معبد «٢» :
فَيَا لَقُصَىّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ بِهِ مِنْ فَخَارٍ لَا يُبَارَى وَسُودَدِ «٣»
ويراد هو الذي خلقكم من نفس قصىّ، وجعل من جنسها زوجها عربية قرشية ليسكن إليها، فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح السوىّ جعلا له شركاء فيما آتاهما، حيث سميا أولادهما
(١). قوله «و عبد مناة» في النسفي : وعبد مناف (ع)
(٢). هذا طرف من حديث أم معبد في هجرة النبي صلى اللّه عليه وسلم. وقد أخرجه الحاكم مطولا. من حديثها وحديث أخيها حبيس بن خالد. ومن حديث زوجها أبى معبد، وطريق أم معبد رويناها في الغيلانيات. وفي الطبراني وفي الدلائل لأبى نعيم والبيهقي.
(٣) جزى اللّه رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم ترحلا فيا فوز من أمسى رفيق محمد
فيالقصى ما زوى اللّه عنكم به من فخار لا يبارى وسؤدد
ليهن بنى سعد مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد
لرجل من الجن، سمعوا صوته بمكة ولم يروا شخصه، حين خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة مع أبى بكر مهاجراً وجهل أهلها خبرهما بعد خروجهما من الغار. ويروى «جزاية» بالتاء كهداية. ويروى «قالا» بدل «حلا» والمعنى متقارب، إلا أن الثاني خاص بالاستراحة في منتصف النهار. و«خيمتي» نصب على التوسع بحذف حرف الجر و«أم معبد» امرأة من بنى سعد نزلا عندها بالبر والخير. ذكر بعضهم أن اسمها عاتكة بنت خالد الخزاعية و«يالقصى» أصله «يا آل قصى» فخفف وقد اختلف فيها، فقيل : أصلها يا آل قصى أيضاً. وقيل : هي حرف جر، فقيل زائد. وقيل أصلى متعلق بيا عند سيبويه، وبالفعل الذي نابت عنه عند ابن جنى «و ما» استفهامية، والمعنى : يا آل قصى، أتدرون ما قبضه اللّه ومنعه بخروج رسول اللّه من بينكم من فخار لا يضاهي ومن شرف عظيم؟
وفي هذا الاستفهام معنى التعجب والاستعظام، حتى كأن المستفهم عنه لا يعرف كنهه. ويجوز أن اللام للتعجب، و«ما» موصول بدل من «قصى». ويجوز أن اللام للاستغاثة، كأنه استغاث بهم لعلهم يتداركون ما فاتهم. وساد في قومه : شرف، ومصدره السؤدد، بالهمز وضم الدال، وبالواو فتفتح داله كما هنا. والأصل : السود - بالضم - كالحسن، فزيدت الدال للإلحاق بيرفع وجندب. «و ليهن» مجزوم بلام الأمر، والمقصود الدعاء. و«مقام» فاعل، و«بنى» مفعول. يقال : هنأه الطعام ونحوه، بالهمز : إذا نفعه وحمدت عاقبته عنده، وهو من بابى نفع وضرب، ويبدل همزه بما يناسب ما قبله، وقد يحذف البدل كما هنا، كأنه أصلى، لكن الحذف عامي. والمرصد والمرصاد : الطريق يرصد فيه الرصد. وقوله «للمؤمنين» فيه حث على الهجرة.