إلى ما حل بهم، يعنى ذلك العذاب أو الانتقام بسبب أن اللّه لم ينبغ له ولم يصحّ في حكمته أن يغير نعمته عند قوم حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بهم من الحال. فإن قلت : فما كان من تغيير آل فرعون ومشركي مكة حتى غير اللّه نعمته عليهم؟ ولم تكن لهم حال مرضية فيغيروها إلى حال مسخوطة قلت : كما تغير الحال المرضية إلى المسخوطة، تغير الحال المسخوطة إلى أسخط منها، وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول إليهم كفرة عبدة أصنام، فلما بعث إليهم بالآيات البينات فكذبوه وعادوه وتحزبوا عليه ساعين في إراقة دمه، غيروا حالهم إلى أسوإ مما كانت، فغير اللّه ما أنعم به عليهم من الإمهال وعاجلهم بالعذاب وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقول مكذبو الرسل عَلِيمٌ بما يفعلون كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ تكرير للتأكيد. وفي قوله بِآياتِ رَبِّهِمْ زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق. وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذنوب وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ وكلهم من غرقى القبط وقتلى قريش كانوا ظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٥ إلى ٥٧]
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧)
الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أى أصروا على الكفر ولجوا فيه، فلا يتوقع منهم إيمان وهم بنو قريظة، عاهدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن لا يمالئوا عليه فنكثوا بأن أعانوا مشركي مكة بالسلاح وقالوا : نسينا وأخطأنا، ثم عاهدهم فنكثوا ومالوا معهم يوم الخندق، وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ بدل من الذين كفروا، أى الذين عاهدتهم من الذين كفروا جعلهم شر الدواب، لأن شر الناس الكفار، وشر الكفار المصرون منهم، وشر المصرين الناكثون للعهود وَهُمْ لا يَتَّقُونَ لا يخافون عاقبة الغدر ولا يبالون ما فيه من العار والنار فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فإما تصادفنهم وتظفرنّ بهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ففرق عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم، من وراءهم من الكفرة، حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد، اعتباراً بهم واتعاظاً بحالهم. وقرأ ابن مسعود رضى اللّه عنه : فشرذ، بالذال المعجمة، بمعنى : ففرق، وكأنه مقلوب «شذر» من قولهم «ذهبوا شذر مذر «١»» ومنه : الشذر : المتلقط من المعدن لتفرّقه. وقرأ أبو حيوة : من خلفهم. ومعناه : فافعل

__
(١). قوله «و كأنه مقلوب شذر، من قولهم ذهبوا «شذر مذر» بفتحات، أى في كل وجهة. اه صحاح. (ع)


الصفحة التالية
Icon