واللعنة، وأهل الحرب لا يسلم عليهم، ولا يقال : لا تفرق ولا تخف، ومترس «١» ولا بأس :
هذا أمان كله. وقيل : سورة الأنفال والتوبة سورة واحدة، كلتاهما نزلت في القتال، تعدّان السابعة من الطول «٢» وهي سبع وما بعدها المئون، وهذا قول ظاهر، لأنهما معاً مائتان وست، فهما بمنزلة إحدى الطول. وقد اختلف أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال بعضهم : الأنفال وبراءة سورة واحدة. وقال بعضهم : هما سورتان، فتركت بينهما فرجة لقول من قال : هما سورتان، وتركت بسم اللّه الرحمن الرحيم لقول من قال : هما سورة واحدة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١ إلى ٢]
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢)
بَراءَةٌ خبر مبتدإ محذوف أى هذه براءة ومِنَ لابتداء الغاية، متعلق بمحذوف وليس بصلة، كما في قولك : برئت من الدين. والمعنى : هذه براءة واصلة من اللّه ورسوله إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ كما يقال : كتاب من فلان إلى فلان. ويجوز أن يكون بَراءَةٌ مبتدأ لتخصيصها بصفتها، والخبر إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ كما تقول : رجل من بنى تميم في الدار. وقرئ «براءة» بالنصب، على : اسمعوا براءة. وقرأ أهل نجران «من الله» بكسر النون، والوجه الفتح مع لام التعريف لكثرته. والمعنى أن اللّه ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين وأنه «٣» منبوذ إليهم. فإن قلت : لم علقت البراءة باللّه ورسوله والمعاهدة بالمسلمين؟ قلت : قد أذن اللّه في معاهدة المشركين أوّلا فاتفق المسلمون مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعاهدوهم، فلما نقضوا العهد أوجب اللّه تعالى النبذ إليهم، فخوطب المسلمون
(١). قوله «و مترس» بفتح الميم والتاء وسكون الراء : فارسى، معناه : أمان. (ع)
(٢). قوله «من الطول» الطول - بكسر ففتح - بمعنى الطويلة. أفاده الصحاح. وعبارة غيره : الطوال.
(٣). قال محمود معناه :«أن اللّه ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين... الخ» قال أحمد :
ورواه ما ذكره سر آخر هو المرعي، واللّه أعلم. وذلك أن نسبة العهد إلى اللّه ورسوله في مقام نسب إليه النبذ من المشركين، لا تحسن شرعا. ألا ترى إلى وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأمراء السرايا حيث يقول لهم : وإذا نزلت بحصن فطلبوا التزول على حكم اللّه فأنزلهم على حكمك، فإنك لا تدرى أصادفت حكم اللّه فيهم أولا؟ وإن طلبوا ذمة اللّه فأنزلهم على ذمتك، فلأن تخفر ذمتك خير من أن تخفر ذمة اللّه. فانظر إلى أمره عليه الصلاة والسلام بتوقير ذمة اللّه مخافة أن تخفر وإن كان لم يحصل بعد ذلك الأمر المتوقع، فتوقير عهد اللّه وقد تحقق من المشركين النكث، وقد تبرأ من اللّه ورسوله بأن لا ينسب العهد المنبوذ إلى اللّه أحرى وأجدر، فلذلك نسب العهد إلى المسلمين دون البراءة منه، واللّه أعلم»