فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فأطلقوا عنهم بعد الأسر والحصر. أو فكفوا عنهم ولا تتعرّضوا لهم كقوله :
خَلِّ السَّبِيلَ لِمَنْ يَبْنِى الْمَنَارَ بِهِ «١»
وعن ابن عباس رضى اللّه عنه : دعوهم وإتيان المسجد الحرام إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦]
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦)
أَحَدٌ مرتفع بفعل الشرط مضمراً يفسره الظاهر، تقديره : وإن استجارك أحد استجارك ولا يرتفع بالابتداء، لأنّ «إن» من عوامل الفعل لا تدخل على غيره. والمعنى : وإن جاءك أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه ولا ميثاق، فاستأمنك ليسمع ما تدعو إليه من التوحيد والقرآن، وتبين «٢» ما بعثت له فأمّنه حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر ثُمَّ أَبْلِغْهُ بعد ذلك داره التي يأمن فيها إن لم يسلم. ثم قاتله إن شئت من غير غدر ولا خيانة، وهذا الحكم ثابت في كل وقت. وعن الحسن رضى اللّه عنه : هي محكمة إلى يوم القيامة. وعن سعيد بن جبير : جاء رجل من المشركين إلى علىّ رضى اللّه عنه فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتى محمداً بعد انقضاء هذا الأجل يسمع كلام اللّه، أو يأتيه لحاجة قتل؟ قال : لا، لأنّ اللّه تعالى يقول وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ... الآية وعن السدّى والضحاك
(١) خل السبيل لمن يبنى المنار به وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر
قد خفت يا ابن التي ماتت منافقة من خبث بردة أن لا ينزل المطر
لجرير يهجو عمر بن لجأ التميمي. ويروى : خل الطريق. ومنار الطريق : حدوده. يقول له : اترك سبيل المعالي لمن يبنى الأعلام فيه ويقيم شعائره ويبين حدوده. شبه الخصال الحميدة بالطريق الجادة بجامع الوصول بكل إلى المراد وعدم الميل عن كل على سبيل التصريحية، وبناء المنار ترشيح : والمراد به : إقامة الشعائر الجميلة وتحسين شأنها لتتبعها الناس. أو نصب دلائل على الكرم لتهتدى إليه العفاة. وبرزة هي أم عمر، وقيل : الأرض الواسعة. وعليه فمنع صرفه ضرورة، ولكن البيت الثاني يؤيد ما قلنا، أى اخرج بأمك القبيحة إلى ما ألجأك إليه القدر الأزلى، وهو ما انطبعت عليه من الخصال الخسيسة. والمراد بالأمر في الموضعين : بيان حاله التي هو عليها لا حقيقة الأمر. ويحتمل أن الأول أمر بترك التفاخر، فتكون صورة الأمر الثاني للمشاكلة، أو بمعنى طلب اعترافه بحال نفسه. وجعله النحويون من قبيل التحذير ومثلوا به لذكر عامل المحذر منه، وهو يزيد على مجرد الأمر بالتخلية بأن بينه وبين ذلك السبيل منافرة حتى صح تحذيره منه. وخفت بضم التاء، ولكن فتحها أبلغ في الهجو. وتكرير اسم برزة للتنكير والتعيير بها، أى أنها شؤم على الناس يخاف منها الجدب. [.....]
(٢). قوله «و تبين» لعله و«يتبين» عطفاً على يسمع. (ع)