عليه السلام «من ألف المسجد ألفه اللّه «١»» وقال عليه السلام «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان «٢»» وعن أنس رضى اللّه عنه : من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه «٣»». فإن قلت : هلا ذكر الإيمان برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قلت : لما علم وشهر أن الإيمان باللّه تعالى قرينته الإيمان بالرسول عليه السلام لاشتمال كلمة الشهادة والأذان والإقامة وغيرها عليهما مقترنين مزدوجين كأنهما شيء واحد غير منفك أحدهما عن صاحبه، انطوى تحت ذكر الإيمان باللّه تعالى الإيمان بالرسول عليه السلام. وقيل : دلّ عليه بذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. فان قلت : كيف قيل وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ والمؤمن يخشى المحاذير ولا يتمالك أن لا يخشاها؟ قلت : هي الخشية والتقوى في أبواب الدين، وأن لا يختار على رضا اللّه رضا غيره لتوقع مخوف، وإذا اعترضه أمران :
أحدهما حق اللّه، والآخر حق نفسه أن يخاف اللّه، فيؤثر حق اللّه على حق نفسه. وقيل : كانوا يخشون الأصنام ويرجونها، فأريد نفى تلك الخشية عنهم فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء «٤» وحسم لأطماعهم من الانتفاع «٥» بأعمالهم التي استعظموها وافتخروا بها وأملوا عاقبتها، بأن الذين آمنوا وضموا إلى إيمانهم العمل بالشرائع مع استشعار الخشية والتقوى، اهتداؤهم دائر بين عسى ولعل، فما بال المشركين يقطعون أنهم مهتدون ونائلون عند اللّه الحسنى. وفي هذا الكلام ونحوه لطف للمؤمنين في ترجيح الخشية على الرجاء ورفض الاغترار باللّه تعالى.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٩]
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)
(١). أخرجه ابن عدى. والطبراني في الأوسط من رواية ابن لهيعة عن دراج بن الهيثم عن أبى سعيد به.
(٢). أخرجه الترمذي وابن ماجة. وابن حبان. والحاكم من رواية أبى الهيثم عن أبى سعيد.
(٣). رواه الحارث بن أسامة من رواية الحكم بن سفلة العبدى. عن أنس رضى اللّه عنه. من أسرج في مسجد سراجا لم يزل مرفوعا ومن طريق الحارث أخرجه سليم الرازي في كتاب الترغيب وفي الطبراني في مسند الشاميين من حديث على بن أبى طالب رفعه «من علق قنديلا في مسجد صلى عليه سبعون ألف ملك - الحديث بمعناه».
(٤). قال محمود :«في هذه الآية تبعيد للمشركين... الخ» قال أحمد : وأكثرهم يقول : إن «عسى» من اللّه واجبة بناء منهم على أن استعمالها غير مصروفة للمخاطبين، والحق فيما قال الزمخشري، ولكن الخطاب مصروف إليهم أى فحال هؤلاء المؤمنين حال مرجوة، والعاقبة عند اللّه معلومة، وللّه عاقبة الأمور.
(٥). قوله «من الانتفاع» لعله «في» كعبارة النسفي. (ع)