معاذيركم ولا يكافئكم على سوء دخلتكم «١». وقرأ نافع بتخفيف الذال. فإن قلت : لم عدّى فعل الإيمان بالباء إلى اللّه تعالى، وإلى المؤمنين باللام؟ قلت : لأنه قصد التصديق باللّه الذي هو نقيض الكفر به، فعدّى بالباء وقصد السماع من المؤمنين، وأن يسلم لهم ما يقولونه ويصدّقه، لكونهم صادقين عنده، فعدّى باللام ألا ترى إلى قوله وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ ما أنبأه «٢» عن الباء. ونحوه : فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ، أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ، آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ. فإن قلت : ما وجه قراءة ابن أبى عبلة : ورحمة بالنصب؟ قلت : هي علة معللها محذوف تقديره : ورحمة لكم يأذن لكم، فحذف لأنّ قوله أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يدل عليه.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٢]
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢)
لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ الخطاب للمسلمين وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن أو يتخلفون عن الجهاد، ثم يأتونهم فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالحلف ليعذروهم ويرضوا عنهم، فقيل لهم : إن كنتم مؤمنين كما تزعمون فأحق من أرضيتم اللّه ورسوله بالطاعة والوفاق. وإنما وحد الضمير لأنه لا تفاوت بين رضا اللّه ورضا رسوله صلى اللّه عليه وسلم، فكانا في حكم مرضىّ واحد، كقولك : إحسان زيد وإجماله نعشنى وجبر منى. أو واللّه أحق أن يرضوه، ورسوله كذلك.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٣]
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣)
المحادّة مفاعلة من الحدّ كالمشاقة من الشقّ فَأَنَّ لَهُ على حذف الخبر، أى. فحق أن له نارَ جَهَنَّمَ وقيل. معناه فله، وأنّ : تكرير، لأن في قوله أَنَّهُ تأكيداً، ويجوز أن يكون فَأَنَّ لَهُ معطوفا على أنه، على أن جواب مَنْ محذوف تقديره : ألم يعلموا أنه من يحادد اللّه ورسوله يهلك فأن له نار جهنم. وقرئ : ألم تعلموا بالتاء
(١). قوله «على سوء دخلتكم» أى مذمتكم. وفي الصحاح أن دخلة الرجل بالضم : باطن أمره اه، ولعلها غلبت في المذمة. (ع)
(٢). قوله «ما أنباه عن الباء ونحوه» أى : ما أبعده. (ع)