أقبل منك، فجعل التراب على رأسه فقال : هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني، فقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجاء بها إلى أبى بكر رضى اللّه عنه فلم يقبلها، وجاء بها إلى عمر رضى اللّه عنه في خلافته فلم يقبلها، وهلك في زمان عثمان رضى اللّه عنه. وقرئ «لنصدقن ولنكونن» بالنون الخفيفة فيهما مِنَ الصَّالِحِينَ قال ابن عباس رضى اللّه عنه : يريد الحج فَأَعْقَبَهُمْ عن الحسن وقتادة رضى اللّه عنهما : أنّ الضمير للبخل. يعنى : فأورثهم البخل نِفاقاً متمكنا فِي قُلُوبِهِمْ لأنه كان سببا فيه وداعياً إليه. والظاهر أن الضمير للّه عزّ وجل. والمعنى : فخذلهم حتى نافقوا «١».
وتمكن في قلوبهم نفاقهم فلا ينفك عنها إلى أن يموتوا بسبب إخلافهم ما وعدوا اللّه من التصدّق والصلاح وكونهم كاذبين. ومنه : جعل خلف الوعد ثلث النفاق. وقرئ : يكذبون، بالتشديد.
وأ لم تعلموا، بالتاء. عن علىّ رضى اللّه عنه.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٨]
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨)
سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ما أسرّوه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين، وتسمية الصدقة جزية وتدبير منعها.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧٩]
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩)
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ محله النصب أو الرفع على الذمّ. ويجوز أن يكون في محل الجرّ بدلا من الضمير في سرهم ونجواهم. وقرئ : يلمزون، بالضم الْمُطَّوِّعِينَ المتطوّعين المتبرعين.
روى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حثّ على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب. وقيل : بأربعة آلاف درهم وقال : كان لي ثمانية آلاف، فأقرضت ربى أربعة وأمسكت أربعة لعيالي، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : بارك اللّه لك فيما أعطيت وفيما أمسكت «٢» فبارك اللّه له حتى صولحت تماضر امرأته عن ربع الثمن على ثمانين ألفاً،
(١). قوله «و المعنى فخذلهم حتى نافقوا» فسره بذلك على مذهب المعتزلة، من أنه تعالى لا يخلق الشر. (ع)
(٢). أخرجه ابن مردويه من طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - الآية قال : جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية. من ذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجاء رجل من الأنصار بصاع من تمر. فقال بعض المنافقين واللّه ما جاء عبد الرحمن بن عوف بما جاء به إلا رياء وإن كان اللّه ورسوله لغنيين عن هذا الصاع. ومن طريق عطية العوفى. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال «خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما إلى الناس، فنادى فيهم : أن اجمعوا صدقاتكم. فجمع الناس صدقاتهم. وجاء رجل بصاع من تمر. فقال : يا رسول اللّه بت ليلتي أجر بالجرير - الحديث. وجاء عبد الرحمن بن عوف فقال : يا رسول اللّه مالى ثمانية آلاف، فأربعة آلاف لي، وأربعة آلاف أقرضها ربى - فذكره» وقال عبد الرزاق في تفسيره أخبرنا معمر عن قتادة قال : تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله. وكان له ثمانية آلاف دينار. فتصدق بأربعة آلاف دينار. فقال أناس من المنافقين : إن عبد الرحمن لعظيم الرياء. فقال اللّه عز وجل الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ وكان لرجل من الأنصار صاعان من تمر. فجاء بأحدهما. فقال أناس من المنافقين : إن كان اللّه لغنيا عن صاع هذا.
فقال اللّه عز وجل إِلَّا جُهْدَهُمْ وروى البزار من رواية عمر بن أبى مسلمة عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «تصدقوا فانى أريد أن أبعث بعثا فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال : يا رسول اللّه، عندي أربعة آلاف درهم ألفان أقرضها ربى وألفان لعيالي - الحديث» وفيه «و بات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من نمر» أخرجه عن طالوت بن عبادة عن أبى عوانة عنه وقال : تفرد طالوت بوصله ثم رواه عن أبى كامل عن أبى عوانة ومن طريقه ابن مردويه وفي المغازي بأربعة آلاف وقام عاصم بن عدى فتصدق بمائة وسق من تمر فألقاه في الصدقة فتضاحكوا به وقالوا : إن اللّه لغنى عن صاع أبى عقيل» انتهى وقصة أبى عقيل أخرجها إبراهيم الحربي والطبراني والطبري من رواية خالد بن يسار عن ابن أبى عقيل عن أبيه قال «بت أجر الجرير على ظهري على صاعين من تمر - الحديث» وفي إسناده موسى بن عبدة وهو ضعيف قلت : قصة أبى عقيل أخرجها البخاري من حديث أبى مسعود الأنصارى باختصار وفيه «جاء إنسان آخر بأكثر من ذلك» وفي رواية : بشيء كثير.