والأجود أن تكون «كان» تامّة، وأن أوحينا بدلا من عجب. فإن قلت : فما معنى اللام في قوله أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً؟ وما هو الفرق بينه وبين قولك : أكان عند الناس عجباً؟ قلت : معناه أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منها، ونصبوه علماً لهم يوجهون نحوه استهزاءهم وإنكارهم، وليس في عند الناس هذا المعنى، والذي تعجبوا منه أن يوحى إلى بشر، وأن يكون رجلا من أفناء رجالهم «١» دون عظيم من عظمائهم، فقد كانوا يقولون : العجب أنّ اللّه لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبى طالب، وأن يذكر لهم البعث وينذر بالنار ويبشر بالجنة، وكل واحد من هذه الأمور ليس بعجب، لأنّ الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلا بشر مثلهم. وقال اللّه تعالى قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا وإرسال الفقير أو اليتيم ليس بعجب أيضاً، لأنّ اللّه تعالى إنما يختار من استحق الاختيار، لجمعه أسباب الاستقلال بما اختير له من النبوّة. والغنى والتقدّم في الدنيا ليس من تلك الأسباب في شيء وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى والبعث للجزاء على الخير والشر هو الحكمة العظمى، فكيف يكون عجباً؟ إنما العجب العجيب والمنكر في العقول تعطيل الجزاء أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ أن هي المفسرة، لأنّ الإيحاء فيه معنى القول. ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة، وأصله : أنه أنذر الناس، على معنى : أن الشأن قولنا أنذر الناس. وأَنَّ لَهُمْ الباء معه محذوف قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ أى سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة «٢». فإن قلت : لم سميت السابقة

__
(١). قوله «من أفناء رجالهم» في الصحاح : يقال هو من أفناء الناس، إذا لم يعلم ممن هو. (ع)
(٢). قال محمود :«أى سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة... الخ» قال أحمد : ولم يرد في سابقة السوء تسميتها قدما، إما لأن المجاز لا يطرد، وإما أن يكون مطردا ولكن غلب العرف على قصرها كما يغلب في الحقيقة، واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon