والإيمان الذي لم يقرن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور. قلت : الأمر كذلك. ألا ترى كيف أوقع الصلة مجموعا فيها بين الإيمان والعمل، كأنه قال : إنّ الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، ثم قال : بإيمانهم، أى بإيمانهم هذا المضموم إليه العمل الصالح، وهو بين واضح لا شبهة فيه دَعْواهُمْ دعاؤهم، لأن «اللهمّ» نداء للّه ومعناه : اللهمّ إنا نسبحك، كقول القانت في دعاء القنوت : اللهمّ إياك نعبد ولك نصلى ونسجد. ويجوز أن يراد بالدعاء : العبادة وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ على معنى أن لا تكليف في الجنة ولا عبادة، وما عبادتهم إلا أن يسبحوا اللّه ويحمدوه، وذلك ليس بعبادة، إنما يلهمونه فينطقون به تلذذاً بلا كلفة، كقوله تعالى وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً. وَآخِرُ دَعْواهُمْ وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أَنِ يقولوا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. ومعنى وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ أنّ بعضهم يحيى بعضا بالسلام. وقيل : هي تحية الملائكة إياهم، إضافة للمصدر إلى المفعول. وقيل : تحية اللّه لهم. وأن هي المخففة من الثقيلة، وأصله : أنه الحمد للّه، على أن الضمير للشأن، كقوله :
أَنْ هالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ «١»
وقرئ : أنّ الحمد للّه، بالتشديد ونصب الحمد.
[سورة يونس (١٠) : آية ١١]
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)
أصله وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ تعجيله لهم الخير، فوضع اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ موضع تعجيله لهم الخير «٢» إشعاراً بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم، حتى كأنّ استعجالهم بالخير

__
(١) وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني شاو مشل شلول شلشل شول
في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
للأعشى ميمون بن قيس. والحانوت : محل البيع والشراء. والمراد : محل بيع الطعام والشراب. يتبعني شاو :
أى غلام يشوى اللحم. مشل : أى مسرع. شلول : خفيف في العمل : شلشل : بالضم، أى ماض في الخدمة وقضاء الحوائج : شول - ككتف - خفيف في العمل. وقيل : مخرج للحم من القدر. في فتية : أى حال كوني مع فتيان كسيوف الهند في إنفاذ العزائم في المكارم. أو في بياض الوجوه وتهللها. والأول أنسب بقوله : قد علموا أنه، أى الحال والشأن. هالك وفان كل حاف : غير لابس للنعل، ومنتعل : لابس له، وهما كناية عن الفقير والغنى، وإذا استويا في الغنى فلا معنى للبخل الذي لا يوجب البقاء. ويجوز أنهما كناية عن جميع الناس مبالغة في التعميم.
(٢). قال محمود :«فوضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير... الخ» قال أحمد : وهذا أيضاً من تنبيهات الزمخشري الحسنة التي تقوم على دقة نظره شاهدة وبينة، ولا يكاد وضع المصدر مؤكداً أو مقارنا لغير فعله في الكتاب العزيز يخلو من مثل هذه الفائدة الجليلة. والنحاة غايتهم أن يقولوا في قوله تعالى وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً أنه اجرى المصدر على الفعل مقدراً عدم الزيادة. أو هذا المصدر لفعل دل عليه المذكور تقديره : نبتم نباتا، ولا يزيدون على ذلك، وإذا راجع الفطن قريحته وناجى فسكرته، هل قرن المصدر في كتاب اللّه بغير فعله لفائدة أو لا - تسور بلطف النظر على مثل هذه الفوائد العلية مراتبها، فالفائدة - واللّه أعلم - في اقتران قوله نَباتاً بقوله أَنْبَتَكُمْ التنبيه على تحتم نفوذ القدرة في المقدور، وسرعة إمضاء حكمها حتى كان إنبات اللّه لهم نفس نباتهم أى إذا وجد من اللّه الانبات وجد لهم النبات حتما فكان أحد الأمرين عين الآخر فقرن به واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon