كَأَنْ ثَدْيَاهُ حُقّانِ «١»
كَذلِكَ مثل ذلك التزيين زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ زين الشيطان بوسوسته أو اللّه بخذلانه وتخليته ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الإعراض عن الذكر واتباع الشهوات.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٣ إلى ١٤]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)
لَمَّا ظرف لأهلكنا : والواو في وَجاءَتْهُمْ للحال، أى ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم وهي المعجزات. وقوله : وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يجوز أن يكون عطفاً على ظلموا، وأن يكون اعتراضاً واللام لتأكيد النفي، يعنى : وما كانوا يؤمنون حقاً، تأكيداً لنفى إيمانهم، وأن اللّه قد علم منهم أنهم يصرون على كفرهم، وأن الإيمان مستبعد منهم. والمعنى : أن السبب في إهلاكهم تكذيب الرسل، وعلم اللّه أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثه الرسل كَذلِكَ مثل ذلك الجزاء يعنى الإهلاك نَجْزِي كل مجرم، وهو وعيد لأهل مكة على إجرامهم بتكذيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقرئ. يجزى، بالياء ثُمَّ جَعَلْناكُمْ الخطاب للذين بعث إليهم محمد صلى اللّه عليه وسلم، أى استخلفناكم في الأرض بعد القرون التي أهلكنا لِنَنْظُرَ أتعملون خيراً أم شراً فنعاملكم على حسب عملكم. وكَيْفَ في محل النصب بتعملون لا ينتظر، لأنّ معنى الاستفهام فيه يحجب أن يتقدّم عليه عامله. فإن قلت : كيف جاز النظر على اللّه تعالى وفيه معنى المقابلة «٢»
(١) ونحر مشرق اللون كأن ثدياه حقان
أى : ورب نحر ويروى بالرفع عطفا على شيء تقدم، أى ولها. والنحر : موضع القلادة من الصدر. ويروى :
وصدر مشرق، أى أبيض مضيء. ويروى : وصدر مشرق النحر. ويروى : ووجه مشرق اللون، وكأن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. وقال أبو حيان : لا حاجة للاضمار عند الإهمال. وروى : كأن ثدييه بالأعمال مع التخفيف وهو قليل. وإضافة الثديين لضمير النحر للملابسة ولضمير الوجه على تقدير مضاف، أى : ثديا صاحبته. والحقان : تثنية حق وهو ما يعمل من العاج ونحوه، يوضع فيه أعز الأشياء. وقيل تثنية حقة، وحذفت منه التاء.
(٢). قال محمود :«إن قلت كيف جاز النظر على اللّه تعالى... الخ» قال أحمد : وكنت أحسب أن الزمخشري يقتصر على إنكار رؤية العبد للّه تعالى، فضم إلى ذلك إنكار رؤية اللّه، والجمع بين هذين النزغتين عقيدة طائفة من القدرية، يقولون : إن اللّه لا يرى ولا يرى، تعالى اللّه عما يقول الظالمون علواً كبيرا. وتقدم إبطال دعواهم أن النظر يستلزم المقابلة والجسمية فلا نعيده، واللّه الموفق. [.....]