والضمير في جَرَيْنَ للفلك، لأنه جمع فلك كالأسد، في فعل أخى فعل «١». وفي قراءة أمّ الدرداء : للفلك، أيضاً، لأنّ الفلكي يدلّ عليه جاءَتْها جاءت الريح الطيبة، أى تلقتها.
وقيل : الضمير للفلك مِنْ كُلِّ مَكانٍ من جميع أمكنة الموج أُحِيطَ بِهِمْ أى أهلكوا جعل إحاطة العدوّ بالحي مثلا في الهلاك مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ من غير إشراك به، لأنهم لا يدعون حينئذ غيره معه لَئِنْ أَنْجَيْتَنا على إرادة القول. أو لأن دَعَوُا من جملة القول يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ يفسدون فيها ويعبثون متراقين في ذلك، ممعنين فيه، من قولك :
بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد. فإن قلت : فما معنى قوله بِغَيْرِ الْحَقِّ والبغي لا يكون بحق؟ قلت :
بلى، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة، وهدم دورهم، وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم «٢» كما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ببني قريظة. قرئ : متاع الحياة الدنيا، بالنصب. فإن قلت :
ما الفرق بين القراءتين؟ قلت : إذا رفعت كان المتاع خبراً للمبتدإ الذي هو بَغْيُكُمْ وعَلى أَنْفُسِكُمْ صلته، كقوله فَبَغى عَلَيْهِمْ ومعناه : إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم، يعنى : بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا لا بقاء لها. وإذا نصبت عَلى أَنْفُسِكُمْ خبر غير صلة، معناه. إنما بغيكم وبال على أنفسكم، ومَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا في موضع المصدر المؤكد، كأنه قيل : تتمتعون متاع الحياة الدنيا. ويجوز أن يكون الرفع على : هو متاع الحياة الدنيا بعد تمام الكلام. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال «لا تمكر ولا تعن ماكرا، ولا تبغ ولا تعن باغياً، ولا تنكث ولا تعن ناكثاً» «٣» وكان يتلوها. وعنه عليه الصلاة والسلام «أسرع الخير ثواباً صلة الرحم، وأعجل الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة» «٤» وروى :«ثنتان يعجلهما اللّه
(١). قوله «كالأسد في فعل» أى كما جاء «فعل» بالضم في «فعل» بفتحتين، كأسد في أسد، جاز مجيء «فعل» بالضم في فعل «بالضم» كفلك في فلك، وذلك لأن «فعلا» بفتحتين و«فعلا» بالضم أخوان، لأنهما يشتركان في الشيء الواحد، كالعرب والعرب والعجم والعجم، والرهب والرهب. فما جاز في أحدهما لا يمنع في الآخر، وقد جاز «فعل» بالضم في «فعل» بالفتح، فليجز «فعل» بالضم في «فعل» بالضم، لأنهما أخوات. كذا في الصحاح، فتأمله. (ع)
(٢). متفق على معناه من حديث ابن عمر رضى اللّه عنهما.
(٣). أخرجه ابن المبارك في الزهد : أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري : قال «بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : لا تمكر ولا تعن ماكرا، فان اللّه تعالى يقول وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ولا تبغ ولا تعن باغيا، فان اللّه تعالى يقول إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ «و لا تنكث ولا تعن ناكثا» فان اللّه تعالى يقول فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وفي مستدرك الحاكم بعضه من حديث أبى بكرة مرفوعا «لا تبغ ولا تعن باغيا فان اللّه تعالى يقول إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ.
(٤). أخرجه إسحاق في مسنده عن جرير عن برد بن يسار عن مكحول رفعه «أعجل الخير ثوابا صلة الرحم وأعجل الشر عقابا البغي واليمين الفاجرة، تدع الديار بلاقع» ولأبى يعلى من حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رفعته «أسرع الخير ثوابا صلة الرحم. وأسرع الشر عقوبة البغي».