وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«سألت اللّه أن لا يبعث على أمتى عذاباً من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطانى ذلك، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني، وأخبرنى جبريل أنّ فناء أمتى بالسيف» «١» وعن جابر بن عبد اللّه لما نزل مِنْ فَوْقِكُمْ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أعوذ بوجهك» فلما نزل أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً قال «هاتان أهون» «٢» ومعنى الآية : الوعيد بأحد أصناف العذاب المعدودة. والضمير في قوله وَكَذَّبَ بِهِ راجع إلى العذاب وَهُوَ الْحَقُّ أى لا بدّ أن ينزل بهم قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ وكل إلىَّ أمركم أمنعكم من التكذيب إجباراً، إنما أنا منذر لِكُلِّ نَبَإٍ لكل شيء ينبأ به، يعنى إنباءهم بأنهم يعذبون وإيعادهم به مُسْتَقَرٌّ وقت استقرار وحصول لا بدّ منه. وقيل : الضمير في بِهِ للقرآن.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٨ إلى ٦٩]
وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩)
يَخُوضُونَ فِي آياتِنا في الاستهزاء بها والطعن فيها، وكانت قريش في أنديتهم يفعلون ذلك فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ فلا تجالسهم وقم عنهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ فلا بأس أن تجالسهم حينئذ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ وإن شغلك بوسوسته حتى تنسى النهى عن مجالستهم «٣»
(١). كذا ذكره الثعلبي بغير سند. وهو في عدة أحاديث دون خبر جبريل. فروى ابن مردويه من حديث عمرو بن قيس عن رجل عن ابن عباس قال «لما نزلت هذه الآية قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ... الآية قال : فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم فتوضأ ثم قال : اللهم لا ترسل على أمتى عذابا من فوقهم ولا من تحت أرجلهم، ولا تلبسهم شيعا. فأتاه جبريل. فقال : يا محمد إن اللّه قد أجار أمتك أن يبعث عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم» وله شواهد : منها في مسلم عن سعد مرفوعا «سألت ربى أن لا يهلك أمتى بالغرق فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها» وعند مسلم من حديث ثوبان مطولا. وعند عبد الرزاق من حديث شداد بن أوس مطولا أيضا وفي الموطأ عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «دعا لأمته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فأعطيها ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها» ولابن ماجة من حديث معاذ نحو حديث سعد والنسائي من حديث أنس نحوه وللترمذي من حديث خباب بن الأرت نحوه، وعند أحمد من حديث أبى بصرة الغفاري نحوه وفي الطبراني من حديث ابن عباس، وقوله «أن فناء أمتى بالسيف» رواه من حديث
(٢). أخرجه البخاري من حديث جابر
(٣). قال محمود :«معناه وإن شغلك بوسوسته حتى تنسى النهى... الخ» قال أحمد : وهذا التأويل الثاني يروم تنزيله على قاعدة التحسين والتقبيح بالعقل، وأنه كاف وإن لم يرد شرع في التحريم وغيره من الأحكام إذا كانت واضحة للعقل، كمجالسته المستهزئين فان قبحها بين العقل فهو مستقل بتحريمها، وحيث ورد الشرع بذلك فهو كاشف لحكمها ومبنية عليه، لا منشئ فيها حكما. وقد علمت فساد هذه القاعدة ومخالفتها للعقائد السنية، على أن الآية تنبو عنه فانه لو كان النسيان المراد هاهنا نسيان الحكم الذي يدل عليه العقل قبل ورود هذا النهى، لما عبر بالمستقبل في قوله وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ فأما وقد ورد بصيغة الاستقبال فلا وجه لحمله على الماضي، واللّه الموفق.