فإن قلت : كيف قيل لهم هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وهم غير معترفين بالإعادة؟ قلت : قد وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما إن رفعه دافع كان مكابراً رادّا للظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه، دلالة على أنهم في إنكارهم لها منكرون أمراً مسلماً معترفاً بصحته عند العقلاء، وقال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فأمره بأن ينوب عنهم في الجواب، يعنى أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فكلم عنهم. يقال : هداه للحق وإلى الحق فجمع بين اللغتين : ويقال : هدى بنفسه بمعنى اهتدى، كما يقال : شرى بمعنى اشترى. ومنه قوله أَمَّنْ لا يَهِدِّي «١» وقرئ لا يهدّى بفتح الهاء وكسرها مع تشديد الدال. والأصل : يهتدى، فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء، أو كسرت لالتقاء الساكنين، وقد كسرت الياء لاتباع ما بعدها. وقرئ : إلا أن يهدى من هداه وهدّاه للمبالغة.
ومنه قولهم : تهدى. ومعناه أن اللّه وحده هو الذي يهدى للحق، بما ركب في المكلفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلة التي نصبها لهم، وبما لطف بهم ووفقهم وألهمهم وأخطر ببالهم ووقفهم على الشرائع، فهل من شركائكم الذين جعلتم أندادا للّه أحد من أشرفهم كالملائكة والمسيح وعزير، يهدى إلى الحق مثل هداية اللّه. ثم قال : أفمن يهدى إلى الحق هذه الهداية أحق بالاتباع، أم الذي لا يهدى أى لا يهتدى بنفسه، أو لا يهدى غيره إلا أن يهديه اللّه وقيل : معناه أم من لا يهتدى من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه إِلَّا أَنْ يُهْدى إلا أن ينقل، أو لا يهتدى ولا يصح منه الاهتداء إلا أن ينقله اللّه من حاله إلى أن يجعله حيواناً مكلفاً فيهديهفَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
بالباطل، حيث تزعمون أنهم أندادا للّه.
[سورة يونس (١٠) : آية ٣٦]
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦)
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ في إقرارهم باللّه إِلَّا ظَنًّا لأنه قول غير مستند إلى برهان عندهم إِنَّ الظَّنَّ في معرفة اللّه لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ وهو العلم شَيْئاً وقيل : وما يتبع أكثرهم في قولهم للأصنام أنها آلهة وأنها شفعاء عند اللّه إلا الظن. والمراد بالأكثر : الجميع إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ وعيد على ما يفعلون من اتباع الظن وتقليد الآباء. وقرئ : تفعلون، بالتاء.
(١). قوله «أم من لا يهدى» من قولهم : هدى بنفسه. أم من لا يهدى، كيرمى. وقوله : بفتح الهاء... الخ :
بقيت القراءة بكسرها مع التشديد، وقد أشار إليها بقوله «أو كسرت» والقراءة كيرمى لحمزة وعلى. وبالفتح مع التشديد للمكي والشامي. وبالكسر معه لعاصم. والأصل : يهتدى. وهي قراءة عبد اللّه، أفاده النسفي. (ع)