وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ معناه : ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع، ولكنهم لا يعون ولا يقبلون، وناس ينظرون إليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوّة ولكنهم لا يصدقون. ثم قال : أتطمع أنك تقدر على إسماع الصم ولو انضم إلى صممهم عدم عقولهم، لأنّ الأصم العاقل ربما تفرّس واستدل إذا وقع في صماخه دوىّ الصوت، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعاً فقد تمّ الأمر. وأ تحسب أنك تقدر على هداية العمى ولو انضم إلى العمى - وهو فقد البصر - فقد البصيرة، لأنّ الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يحدس ويتظنن «١». وأما العمى مع الحمق فجهد البلاء، يعنى : أنهم في اليأس من أن يقبلوا ويصدقوا، كالصمّ والعمى الذين لا بصائر لهم ولا عقول. وقوله أَفَأَنْتَ... دلالة على أنه لا يقدر على إسماعهم وهدايتهم إلا اللّه عز وجل بالقسر والإلجاء، كما لا يقدر على ردّ الأصم والأعمى المسلوبى العقل حديدي السمع والبصر راجحى العقل، إلا هو وحده.
[سورة يونس (١٠) : آية ٤٤]
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً أى لا ينقصهم شيئاً مما يتصل بمصالحهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب، ولكنهم يظلمون أنفسهم بالكفر والتكذيب. ويجوز أن يكون وعيداً للمكذبين، يعنى : أن ما يلحقهم يوم القيامة من العذاب لا حق بهم على سبيل العدل والاستيجاب، ولا يظلمهم اللّه به، ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف ما كان سببا فيه.
[سورة يونس (١٠) : آية ٤٥]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)
إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يستقربون وقت لبثهم في الدنيا. وقيل في القبور، لهول ما يرون يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ يعرف بعضهم بعضاً، كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا، وذلك عند خروجهم من القبور ثم ينقطع التعارف بينهم لشدّة الأمر عليهم. فإن قلت : كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا ويَتَعارَفُونَ كيف موقعهما؟ قلت أما الأولى فحال من «هم» أى يحشرهم مشهين بمن لم يلبث إلا ساعة. وأما الثانية فإما أن تتعلق بالظرف، وإما أن تكون مبينة، لقوله : كأن لم يلبثوا إلا ساعة، لأنّ التعارف لا يبقى مع طول العهد وينقلب تناكرا قَدْ خَسِرَ على إرادة القول، أى يتعارفون بينهم قائلين ذلك، أو هي شهادة من اللّه تعالى على خسرانهم. والمعنى أنهم وضعوا في تجارتهم «٢»

__
(١). قوله «و يتظنن» أى يعمل ظنه. أفاده الصحاح. (ع)
(٢). قوله «وضعوا في تجارتهم» في الصحاح : وضع الرجل في تجارته وأوضع - على ما لم يسم فاعله - وضعا فيهما، أى خسر. (ع) [.....]


الصفحة التالية
Icon