المثيب المعاقب، وما وعده من الثواب والعقاب فهو حق. وهو القادر على الإحياء والإماتة، لا يقدر عليهما غيره، وإلى حسابه وجزائه المرجع، ليعلم أن الأمر كذلك، فيخاف ويرجى، ولا يغتر به المغترون.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٧ إلى ٥٨]
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)
قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ أى قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد وَهو شِفاءٌ أى دواء لِما فِي صدوركم من العقائد الفاسدة ودعاء إلى الحق وَرَحْمَةٌ لمن آمن به منكم. أصل الكلام : بفضل اللّه وبرحمته فليفرحوا، فبذلك فليفرحوا.
والتكرير للتأكيد والتقرير، وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا، فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه، والفاء داخلة لمعنى الشرط، كأنه قيل :
إن فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح، فإنه لا مفروح به أحق منهما. ويجوز أن يراد : بفضل اللّه وبرحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا. ويجوز أن يراد : قد جاءتكم موعظة بفضل اللّه وبرحمته، فبذلك : فبمجيئها فليفرحوا. وقرئ فليفرحوا، بالتاء وهو الأصل والقياس، وهي قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما روى. وعنه «١» «لتأخذوا مضاجعكم «٢»
» قالها في بعض الغزوات.
وفي قراءة أبىّ : فافرحوا هُوَ راجع إلى ذلك. وقرئ : مما تجمعون، بالياء والتاء. وعن أبىّ بن كعب أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تلا قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فقال «بكتاب اللّه والإسلام «٣»» وقيل «فضله» الإسلام «و رحمته» ما وعد عليه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٩ إلى ٦٠]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠)

__
(١). هذا طرف من حديث أخرجه الترمذي من حديث معاذ بن جبل قال «أبطأ عنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في صلاة الفجر حتى كادت الشمس تطلع ثم خرج فأقيمت الصلاة فصلى بنا صلاة تجوزها فلما سلم قال : فما أنتم على مصافكم - الحديث».
(٢). قوله «لتأخذوا مضاجعكم» لعل الرواية «مصافكم». (ع)
(٣). أخرجه ابن أبى شيبة من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ فذكره. وعن أبى سعيد كذلك أخرجه الطبري، وروى ابن مردويه من حديث أنس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «قل بفضل اللّه وبرحمته» قال : بفضل اللّه القرآن وبرحمته أن جعلكم من الملة».


الصفحة التالية
Icon