حملت اللام في ليضلوا على التعليل، على أنهم جعلوا نعمة اللّه سبباً في الضلال، فكأنهم أوتوها ليضلوا. وقوله فَلا يُؤْمِنُوا عطف على ليضلوا. وقوله رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ دعاء معترض بين المعطوف والمعطوف عليه. وقرأ الفضل الرقاشي : أإنك آتيت؟
على الاستفهام، واطمس بضم الميم.
[سورة يونس (١٠) : آية ٨٩]
قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩)
قرئ : دعواتكما. قيل : كان موسى يدعو وهرون يؤمّن. ويجوز أن يكونا جميعاً يدعوان.
والمعنى : إنّ دعاء كما مستجاب، وما طلبتما كائن ولكن في وقته فَاسْتَقِيما فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والزيادة في إلزام الحجة، فقد لبث نوح عليه السلام في قومه ألف عام إلا قليلا ولا تستعجلا. قال ابن جريج : فمكث موسى بعد الدعاء أربعين سنة وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أى لا تتبعا طريق الجهلة بعادة اللّه في تعليقه الأمور بالمصالح، ولا تعجلا فإن العجلة ليست بمصلحة. وهذا كما قال لنوح عليه السلام إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ وقرئ : ولا تتبعان، بالنون الخفيفة، وكسرها لالتقاء الساكنين تشبيهاً بنون التثنية، وبتخفيف التاء من تبع.
[سورة يونس (١٠) : آية ٩٠]
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠)
قرأ الحسن : وجوزنا من أجاز المكان وجوزه وجاوزه، وليس من جوز الذي في بيت الأعشى :
وَإذَا تَجَوَّزْنَا حِبَالَ قَبِيلَةٍ «١»
(١) وإذا تجوزنا حبال قبيلة أخذت من الأخرى إليك حبالا
للأعشى. وشبه عهود الأمان التي يأخذها من القبيلة يتوثق ويتوصل بها إلى أخرى بالحبال، يجامع التوثق بكل على طريق التصريحية. أى : وإذا تجشمنا مجاوزة عهود قبيلة وتكلفنا مجاوزة محل أمانها، فايقاع التجوز على الحبال :
مجاز عقلى، أخذت ناقتي من القبيلة الأخرى حال كونها ذاهبة إليك حبالا، أى عهوداً للتوصل القبيلة الأخرى، وهكذا. وإسناد الأخذ لها مجاز عقلى، ويكفى في الملابسة مجاورتها له حين الفعل. وإنما أسنده إليها للمبالغة، وتخييل أنها تعرف الممدوح وفضله، فهي المسافرة إليه بنفسها. وروى يجوزها. وجبال بالجيم، فمعنى أخذت :
قطعت من أرض القبيلة الأخرى بالسير إليك جبالا غير تلك. وعلى كل، ففيه دليل على صعوبة الطريق.