بالارتداد، وهم الثانية لتأكيد كفرهم بالآخرة واختصاصهم به أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ أى ما كانوا يعجزون اللّه في الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم، وما كان لهم من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه، ولكنه أراد إنظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم، وهو من كلام الأشهاد يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ وقرئ : يضعف ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ أراد أنهم لفرط تصامّهم عن استماع الحق وكراهتهم له، كأنهم لا يستطيعون السمع «١» ولعل بعض المجبرة «٢» يتوثب إذا عثر عليه فيوعوع «٣» به على أهل العدل، كأنه لم يسمع الناس يقولون في كل لسان : هذا كلام لا أستطيع أن أسمعه، وهذا مما يمجه سمعي. ويحتمل أن يريد بقوله وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ أنهم جعلوا آلهتهم أولياء من دون اللّه، وولايتها ليست بشيء، فما كان لهم في الحقيقة من أولياء، ثم بين نفى كونهم أولياء بقوله ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ فكيف يصلحون للولاية. وقوله يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ اعتراض بوعيد خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
اشتروا عبادة الآلهة بعبادة اللّه، فكان خسرانهم في تجارتهم مالا خسران أعظم منه، وهو أنهم خسروا أنفسهم وَضَلَّ عَنْهُمْ
وبطل عنهم وضاع ما اشتروه وهو ما كانُوا يَفْتَرُونَ
من الآلهة وشفاعتها لا جَرَمَ فسر في مكان آخر هُمُ الْأَخْسَرُونَ لا ترى أحداً أبين خسراناً منهم.
[سورة هود (١١) : آية ٢٣]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣)
(١). قال محمود :«أراد أنهم لفرط تصامهم عن استماع الحق وكراهتهم له كأنهم... الخ» قال أحمد : أهل الحق وإن نفوا تأثير استطاعة العبد وخلصوا الخلق لقدرة الخالق عز وجل، لا ينفون استطاعة العبد نفسها ولا ما يجده من نفسه من الفرق حالة الحركات القسرية والاختيارية، وإنما الذي ينفى الاستطاعة جملة هم المجبرة حقيقة لا أهل السنة. والحق مع الزمخشري في هذا الموضع إلا في غفلته حيث يقول : فيوعوع بها على أهل العدل، يعنى الآية المذكورة. وهذه سقطة عظيمة، وهب أن المجبر غلط في الاستدلال بالآية على معتقده، فكيف يستجيز أن يطلق على إيراده الآية وعوعة، وإنما تلا كتاب اللّه تعالى غير أن خطأه في تصحيح معتقده الباطل به. وما الزمخشري إلا يتسامح كثيراً فيما يجب من الآداب للكتاب العزيز، وإنما يليق التسامح إذا كان يفسر شعر امرئ القيس أو الحارث بن حلزة. وأما أدب القرآن فيضيق عن أسهل من ذلك، واللّه الموفق.
(٢). قوله «و لعل بعض المجبرة» إن كان مراده بهم أهل السنة كعادته، فهم لا يسلبون عن العبد الاستطاعة في الفعل، بل يثبتون له الكسب والاستطاعة مع الفعل، وإن كان مراده القائلين بالجبر المحض وأن العبد كالريشة المعلقة في الهواء فلا ضير. ونقل الخازن عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال : أخبر اللّه تعالى أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فانه قال : ما كانوا يستطيعون السمع، وهو طاعته. وما كانوا يبصرون. وأما في الآخرة فانه قال لا يَسْتَطِيعُونَ خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ. (ع)
(٣). قوله «فيوعوع به» في الصحاح : الوعوعة صوت الذئب. (ع)