جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا معناه : أردت جدالنا وشرعت فيه فأكثرته، كقولك :
جاد فلان فأكثر وأطاب فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المعجل.
[سورة هود (١١) : الآيات ٣٣ إلى ٣٥]
قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)
إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ أى ليس الإتيان بالعذاب إلىّ إنما هو إلى من كفرتم به وعصيتموه إِنْ شاءَ يعنى إن اقتضت حكمته أن يعجله لكم. وقرأ ابن عباس رضى اللّه عنه : فأكثرت جدلنا. فإن قلت : ما وجه ترادف هذين الشرطين؟ «١» قلت : قوله إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ جزاؤه ما دلّ عليه قوله لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي وهذا الدال في حكم ما دلّ عليه، فوصل بشرط كما وصل الجزاء بالشرط في قولك : إن أحسنت إلىّ أحسنت إليك إن أمكننى. فإن قلت :
فما معنى قوله «٢» إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ؟ قلت : إذا عرف اللّه من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه، سمى ذلك إغواء وإضلالا، كما أنه إذا عرف منه أنه يتوب ويرعوى فلطف به :
سمى إرشاداً وهداية. وقيل أَنْ يُغْوِيَكُمْ أن يهلككم من غوى الفصيل غوى، إذا بشم فهلك «٣». ومعناه : أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح اللّه
(١). قال محمود :«إن قلت : ما وجه ترادف هذين الشرطين... الخ» قال أحمد : ونظير هذه الآية من مسائل الفقهاء قول القائل : أنت طالق إن شربت إن أكلت. وهي المترجمة بمسئلة اعتراض الشرط على الشرط.
والمنقول عن الشافعية أنها إن شربت ثم أكلت لم يحنث. وإن أكلت ثم شربت حنث. وهذا الفرق مبناه على جعل الجزاء للشرط الآخر، أى الذي يليه، ثم جعلهما معا جزاء للشرط المتوسط، ولذلك سر في العربية لا نطول بذكره وعليه أعرب الزمخشري هذه الآية كما رأيت، واللّه أعلم. [.....]
(٢). قوله «فان قلت فما معنى... الخ» السؤال وجوابه مبنى على مذهب المعتزلة : أن اللّه لا يخلق الشر. أما على مذهب أهل السنة فالاغواء على ظاهره : خلق الغى - أى الضلال - في القلب. (ع)
(٣). قوله «إذا بشم فهلك» في الصحاح «البشم» التخم. يقال : بشمت من الطعام - بالكسر. وبشم الفصيل من كثرة شرب اللبن. (ع)