وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وكانوا حاجوه في توحيد اللّه ونفى الشركاء عنه منكرين لذلك وَقَدْ هَدانِ يعنى إلى التوحيد وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ وقد خوفوه أنّ معبوداتهم تصيبه بسوء إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً إلا وقت مشيئة ربى «١» شيئاً يخاف، فحذف الوقت، يعنى لا أخاف معبوداتكم في وقت قط، لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة، إلا إذا شاء ربى أن يصيبني بمخوف من جهتها إن أصبت ذنبا أستوجب به إنزال المكروه، مثل أن يرجمنى بكوكب أو بشقة من الشمس أو القمر، أو يجعلها قادرة على مضرتى وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أى ليس بعجب ولا مستبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بى من جهتها أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ فتميزوا بين الصحيح والفاسد والقادر والعاجز وَكَيْفَ أَخافُ لتخويفكم شيئا مأمون الخوف لا يتعلق به ضرر بوجه وَأنتم لا تَخافُونَ ما يتعلق به كل مخوف وهو إشراككم باللّه ما لم ينزل باشراكه سُلْطاناً أى حجة، لأن الإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة، كأنه قال : وما لكم تنكرون علىّ الأمن «٢» في موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف. ولم يقل : فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم، احترازاً من تزكيته نفسه، فعدل عنه إلى قوله فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ يعنى فريقى المشركين والموحدين. ثم استأنف الجواب عن السؤال
(١). قال محمود :«إِلَّا أَنْ يَشاءَ معناه إلا وقت مشيئة ربى شيئاً فحذف الوقت... الخ» قال أحمد : هو بمعنى يجعلها قادرة، على أن المضرة خلق قدرة يخلق بها المضرة لمن يريد، بناء على قاعدته. وقد علمت أن عقيدة أهل السنة أن ذلك لا يجوز عقلا أن يخلق غير اللّه ولا يقدر قدرة مؤثرة في المقدور إلا هو، وإن كان الزمخشري لم يصرح هاهنا من عقيدته، فإنما يعنى حيث يصرح أو يكنى ما يلائمها ويتنزل عليها، وغاية خوف إبراهيم منها المعلق على مشيئة اللّه لذلك، خوف الضرر عندها بقدرة اللّه تعالى لأنها. وكأنه في الحقيقة لم يخف إلا من اللّه، لأن الخوف الذي أثبته منها معلق بمشيئة اللّه وقدرته، وهو كلامه خوف منها، واللّه أعلم.
(٢). عاد كلامه. قال :«و معنى وكيف أخاف ما أشركتم... الخ» ما لكم تنكرون على الأمن... الخ» قال أحمد : ويحتمل أن يكون العدول إلى ذلك ليعم بالأمن كل موحد، وبالخوف كل مشرك، ويندرج هو في حكم الموحدين وقومه في حكم المشركين. وأحسن الجواب ما أفاد وزاد.