وأوله وآخره، تنصب هذا كله على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه. ونحوه وَأَطْرافَ النَّهارِ وقرئ : وزلفا، بضمتين. وزلفا، بسكون اللام. وزلفى : بوزن قربى. فالزلف : جمع زلفة، كظلم في ظلمة. والزلف بالسكون : نحو بسرة وبسر. والزلف بضمتين نحو بسر في بسر. والزلفى بمعنى الزلفة، كما أن القربى بمعنى القربة : وهو ما يقرب من آخر النهار من الليل. وقيل : وزلفا من الليل : وقربا من الليل، وحقها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة، أى : أقم الصلاة طرفى النهار، وأقم زلفا من الليل، على معنى : وأقم صلاة تتقرّب بها إلى اللّه عز وجل في بعض الليل إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ فيه وجهان، أحدهما : أن يراد تكفير الصغائر بالطاعات، وفي الحديث :«إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر «١»» والثاني : إن الحسنات يذهبن السيئات، بأن يكن لطفاً في تركها، كقوله إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وقيل : نزلت في أبى اليسر عمرو بن غزية الأنصارى، كان يبيع التمر فأتته امرأة فأعجبته، فقال لها : إن في البيت أجود من هذا التمر، فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها، فقالت له :
اتق اللّه، فتركها وندم، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره بما فعل، فقال صلى اللّه عليه وسلم : أنتظر أمر ربى، فلما صلى صلاة العصر نزلت، فقال : نعم، اذهب فإنها كفارة لما عملت : وروى أنه أتى أبا بكر فأخبره فقال : استر على نفسك وتب إلى اللّه، فأتى عمر رضى اللّه عنه فقال له مثل ذلك، ثم أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت، فقال عمر : أهذا له خاصة أم للناس عامة؟ فقال : بل للناس عامة. وروى أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له :
توضأ وضوآ حسنا وصل ركعتين إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ «٢» ذلِكَ إشارة إلى قوله فَاسْتَقِمْ فما بعده ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ عظة للمتعظين.

__
(١). أخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة رفعه «الصلاة المكتوبة إلى الصلاة المكتوبة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر».
(٢). كان في الأصل أبو اليسر عمرو بن غزية وهو غلط. وإنما هو أبو اليسر كعب بن عمرو. وكذا هو في كتب أسماء الصحابة. وإنما تبع المصنف الثعلبي فانه قال كذلك نزلت في عمرو بن غزية الأنصارى. والحديث عند الترمذي والنسائي والبزار والطبراني والطبري من رواية عثمان بن عبد اللّه بن موهب عن موسى بن طلحة بن أبى اليسر ابن عمرو قال : أتتنى امرأة تبتاع تمرا - فقلت لها : في البيت تمر أطيب من هذا فدخلت معى في البيت. فأهويت إليها فقبلتها. فقالت : اتق اللّه. فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له : فقال استر على نفسك وتب. فأتيت عمر فقال مثل ذلك. فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكرت ذلك له فأطرق طويلا حتى أوحى إليه أَقِمِ الصَّلاةَ... الآية قال ابن أبى اليسر : أتيته فقرأها على. فقال أصحابه : يا رسول اللّه، ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ فقال : بل للناس عامة.
وفي رواية لأحمد فقال عمر بن الخطاب : يا رسول اللّه، أله وحده أم للناس كافة؟» وللدارقطنى والحاكم والبيهقي من رواية عبد الرحمن بن أبى ليلى عن معاذ أنه كان قاعداً عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فجاءه رجل فقال : يا رسول اللّه، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له فلم يدع شيئا يأتيه الرجل من امرأته إلا أصاب منها غير أنه لم يجامعها.
فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم توضأ وضوآً حسنا ثم صل. فأنزل اللّه تعالى الآية. فقال معاذ : أهى له خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال : بل للمسلمين عامة. وأصل الحديث في الصحيحين عن ابن مسعود وجاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : إنى عالجت امرأة في أقصى المدينة وإنى أصبت منها دون أن أمسها وأنا هذا فاقض فىّ ما شئت.
فقال له عمر : لقد سترك اللّه لو سترت على نفسك ولم يرد عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم شيئا فانطلق الرجل فأتبعه النبي صلى اللّه عليه وسلم رجلا. فدعاء فتلا عليه أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ... الآية فقال رجل من القوم : يا رسول اللّه أله خاصة أم للناس؟ فقال : بل للناس كافة».


الصفحة التالية
Icon