ينتصب هذا القرآن بنقصّ، كأنه قيل : نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص هذا القرآن بإيحائنا إليك. والمراد بأحسن الاقتصاص : أنه اقتصّ على أبدع طريقة وأعجب أسلوب. ألا ترى أنّ هذا الحديث مقتص في كتب الأولين وفي كتب التواريخ، ولا ترى اقتصاصه في كتاب منها مقارباً لاقتصاصه في القرآن. وإن أريد بالقصص المقصوص، فمعناه : نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث، وإنما كان أحسنه لما يتضمن من العبر والنكت والحكم والعجائب التي ليست في غيرها «١» والظاهر أنه أحسن ما يقتص في بابه، كما يقال في الرجل : هو أعلم الناس وأفضلهم، يراد في فنه. فإن قلت : ممّ اشتقاق القصص؟ قلت : من قصّ أثره إذا اتبعه، لأنّ الذي يقصّ الحديث يتبع ما حفظ منه شيئاً فشيئاً، كما يقال : تلا القرآن، إذا قرأه، لأنه يتلو أى يتبع ما حفظ منه آية بعد آية وَإِنْ كُنْتَ إن مخففة من الثقيلة. واللام هي التي تفرق بينها وبين النافية. والضمير في قَبْلِهِ راجع إلى قوله : ما أوحينا. والمعنى : وإنّ الشأن والحديث كنت من قبل إيحائنا إليك من الغافلين عنه، أى : من الجاهلين به، ما كان لك فيه علم قط ولا طرق سمعك طرف منه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤]
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤)
إِذْ قالَ يُوسُفُ بدل من أحسن القصص، وهو من بدل الاشتمال، لأن الوقت مشتمل على القصص وهو المقصوص، فإذا قصَّ وقته فقد قص. أو بإضمار «اذكر» ويوسف اسم عبراني، وقيل عربى وليس بصحيح، لأنه لو كان عربياً لا نصرف لخلوّه عن سبب آخر سوى التعريف. فإن قلت : فما تقول فيمن قرأ «يوسف» بكسر السين، أو «يوسف» بفتحها، هل يجوز على قراءته أن يقال «هو عربى» لأنه على وزن المضارع المبنى للفاعل أو المفعول من آسف. وإنما منع الصرف للتعريف ووزن الفعل؟ قلت : لا، لأنّ القراءة المشهورة قامت بالشهادة، على أن الكلمة أعجمية، فلا تكون عربية تارة وأعجمية أخرى، ونحو يوسف :
يونس، رويت فيه هذه اللغات الثلاث ولا يقال هو عربى لأنه في لغتين منها بوزن المضارع من آنس وأونس. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم «إذا قيل : من الكريم؟ فقولوا : الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم «٢»» يا أَبَتِ
(١). قوله «ليست في غيرها» لعله «في غيره» كعبارة النسفي. (ع)
(٢). أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم من حديث أبى هريرة رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «إن الكريم ابن الكريم إلى آخره» وفي البخاري عن ابن عمر رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «الكريم بن الكريم إلى آخره» وهو في المتفق عليه عن أبى هريرة لكن بلفظ «سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم : أى الناس أكرم؟ فقال أكرمهم عند اللّه أتقاهم. قالوا : يا رسول اللّه ليس عن هذا نسألك. قال : فأكرم الناس يوسف نبى اللّه بن نبى اللّه بن نبى اللّه بن خليل اللّه».