اقْتُلُوا يُوسُفَ من جملة ما حكى بعد قوله : إذ قالوا، كأنهم أطبقوا على ذلك إلا من قال لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وقيل : الآمر بالقتل شمعون، وقيل : دان، والباقين كانوا راضين، فجعلوا آمرين أَرْضاً أرضاً منكورة مجهولة بعيدة من العمران، وهو معنى تنكيرها وإخلائها من الوصف، ولإبهامها من هذا الوجه نصبت نصب الظروف المبهمة يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ يقبل عليكم إقبالة واحدة لا يلتفت عنكم إلى غيركم. والمراد : سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها وينازعهم إياها، فكان ذكر الوجه لتصوير معنى إقباله عليهم، لأنّ الرجل إذا أقبل على الشيء أقبل بوجهه. ويجوز أن يراد بالوجه الذات، كما قال تعالى وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ وقيل يَخْلُ لَكُمْ يفرغ لكم من الشغل بيوسف مِنْ بَعْدِهِ من بعد يوسف، أى من بعد كفايته بالقتل أو التغريب، أو يرجع الضمير إلى مصدر اقتلوا أو اطرحوا قَوْماً صالِحِينَ تائبين إلى اللّه مما جنيتم عليه.
أو يصلح ما بينكم وبين أبيكم بعذر تمهدونه. أو تصلح دنياكم وتنتظم أموركم بعده بخلوّ وجه أبيكم. وتَكُونُوا إمّا مجزوم عطفاً على يَخْلُ لَكُمْ أو منصوب بإضمار «أن والواو» بمعنى مع، كقوله وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ.
[سورة يوسف (١٢) : آية ١٠]
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)
قائِلٌ مِنْهُمْ هو يهوذا، وكان أحسنهم فيه رأيا. وهو الذي قال، فلن أبرح الأرض.
قال لهم : القتل عظيم أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وهي غوره وما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله. قال المنخل :
وَإنْ أنَا يَوْماً غَيَّبَتْنِى غَيَابَتِى فَسِيرُوا بِسَيْرِى فِى الْعَشِيرَةِ وَالأَهْلِ «١»
أراد غيابة حفرته التي يدفن فيها. وقرئ غيابات، على الجمع. وغيابات، بالتشديد. وقرأ الجحدري : غيبة. والجب : البئر لم تطو، لأن الأرض تجبّ جباً لا غير يَلْتَقِطْهُ يأخذه بعض السيارة بعض الأقوام الذين يسيرون في الطريق. وقرئ : تلتقطه. بالتاء على المعنى، لأنّ بعض السيارة سيارة، كقوله :
كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنَ الدَّمِ «٢»
(١). للمنخل. والغيابة : ما غاب عن الناظر من أسفل البئر ونحوه. يقول : وإن غيبتني مقبرتى، كناية عن موته، فسيروا بسيرى، أى فانعونى وسيروا بذكر خصالى، على عادة العرب إذا مات منها رئيس. ويحتمل أنه يوصى أقاربه بالخير، وأنهم يسيرون بمثل سيره، ويفعلون كفعله في جيرانه وقرابته.
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٣٩٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.